بعينه. ثم قال له: ما تقول في خروجنا هذا. فقال: اخبرني عبد الرحمن بن القاسم عن مالك ان الرشيد كتب اليه يسأله عن قتال اهل دهلك فقال: ان كان خروجهم عن ظلم من السلطان فلا يحلّ قتالهم وان كانوا انما شقّوا العصا فقتالهم حلال. فاجابه المأمون بجواب قبيح سبّه فيه وسبّ مالكا وقال للحارث: ارحل عن مصر. فقال: يا امير المؤمنين الى الثغر. قال: لا الحق بمدينة السلام. فشفع فيه ابو صالح الحرّانيّ فقال له:
يا شيخ تشفّعت فارتفع (١) وانحرف المأمون على الحارث واشتدّ غضبه منه واسمعه المكروه وعدّ له ذنوبا من جملتها امتناعه عن القضاء وكان الفضل لمّا عرض عليه القضاء امتنع
وكان الحارث ايضا منحرفا عن الدولة العبّاسيّة لانه كان من موالي بني أميّة فارتحل الى العراق فاقام ببغداد من [سنة] ١٧ الى سنة ٢٣٢ في خلافة الواثق وكان ابن ابي دواد ذكره للواثق فقال: ما ظننت انه حيّ. فقال: هو باق. فامر بحمله الى سرّ من رأى فشفع فيه ابن ابي دواد وقال: هو شيخ وكثرة الحركة تثقل عليه وتنقبه واخاف ان يموت. قال: فاكتب اليه يتوجّه حيث شاء. فتوجّه الى بلده. وكان جماعة من بغداد قد ألفوه فتأسّفوا على فقده منهم ابو عليّ الجزريّ فكتب الى سعدان بن يزيد وهو يومئذ بمصر يعرفه ما غمّه من فقد الحارث فاجابه بابيات منها:
أيّها الشاكي الينا وحشة … من حبيب بان عنه فبعد
ولقد متّعك الله به … بضع عشرين سنين قد تعد
لو تراه وابا زيد معا … وهما للدين حصن وعضد
يدرسون العلم في مسجدهم … واذا جنّهم الليل هجد
وابو زيد المذكور هو عبد الرحمن بن ابي الغمر احد الفقهاء بمصر
وقال ابو عمر: حكم الحارث في دار الفيل دار ابي عثيم مولى مسلمة بن مخلّد وكان ابو عثيم حبس هذه الدار على مواليه الذين بفسطاط مصر وسمّاهم في كتاب تحبيسه وهم كعب بن سليمان وناصح ويسار ورافع واولادهم واولاد اولاد اولادهم ما تناسلوا ذكرهم وأنثاهم سواء فاذا انقرضوا رجعت الى [جزءين] الاول
(١) هذا كله منقول عن كتاب الموالي للكندي كما يظهر بمراجعة الخطط (ج ٢ ص ٢٠٢) وصححناه على رواية الخطط