أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن احمد بن عليّ [يحيى] بن الحارث بن ابي العوّام السعديّ الفقيه الحنبليّ ابو العبّاس من المائة الخامسة ولي القضاء بمصر في جمادى الآخرة وقيل في شعبان سنة ٤٠٥ وهو الصحيح وكان ذلك في يوم السبت لعشرين منه بعد قتل مالك بن سعيد الفارقيّ القاضي بشهرين او ثلاثة فان قتله كان في ربيع الآخر وبقيت مصر بغير قاض هذه المدّة وكان يتوسّط فيها بين الناس ابو يوسف يعقوب بن اسحاق وابو منصور المحتسب. وكان من تطلّع الى القضاء جماعة لكنهم في فزع ممّا جرى منهم يعقوب بن اسحاق وسليمان بن رستم وسليمان بن النعمان واخوه القاسم ومن يجري مجراهم وصاروا يلازمون موكب [الحاكم] بخلاف ابي العبّاس المذكور فانه لزم داره وكان ينظر في الفروض ويشهد ولكنّه لم يسأل الحاكم قطّ ان يكون في جملة من يدخل عليه ولا تعرّف به. وكان قد قدم مصر رجل مكفوف يقال له ابو الفضل جعفر من اهل العلم بالنحو واللغة والغريب قدم على الحاكم فأعجب به وخلع عليه واقطعه إقطاعا ولقّبه عالم العلماء وجعله يجلس في دار العلم التي انشأها لتدرس الناس اللغة والنحو فخلا به الحاكم فجعل يسأله عن الناس واحدا واحدا من يصلح منهم للقضاء وكان الحاكم عارفا بهم وانّما اراد ان ينظر مبلغ علمه فلم يزل يذكر حتى وقع الاختيار على ابي العبّاس. فقيل للحاكم:
ليس هو على مذهبك ولا على مذهب من سلف من آبائك. فقال: هو ثقة مأمون مصريّ عارف بالقضاء وباهل البلد وما في المصريّين من يصلح لهذا الامر غيره.
ولم يزل ابو الفضل حتى احكم له الامر مع الحاكم فامر بكتب سجلّه
وشرط عليه فيه انه اذا جلس في مجلس الحكم يكون معه اربعة من فقهاء الحاكم لئلاّ يقع الحكم بغير ما يذهب اليه الخليفة (٢٠) فقرئ عهده بذلك ووصف فيه اجمل صفة فزكّي فيه احسن تزكية وخلع عليه وحمل على [م] ركب حسن وكانت الخلعة غلالة وقميص دبيقيّ معلم مذهّب وثوب مصمت وعمامة