للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما تسميتها في القرآن بيثرب، فهو حكاية قول المنافقين في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} ١.

وحكاية قول المنافقين تثبت الكراهة، ولا تفيد الإباحة لأنهم {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} ٢ فقول المنافق سوء كصاحبه.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم وهو يشير إلى أصحابه عن دار هجرتهم بعد ما رآها منامًا حين قال لهم: "رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى اليمامة أو هجر فإذا هي يثرب المدينة" ٣, وقال لهم: "لا أراها إلا يثرب" ٤, فليس دليلا على عدم الكراهة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك تعريفًا بها لأصحابه وهم في مكة ولأنهم لم يعهدوا لها قبل الإسلام اسمًا غير "يثرب"، ولم يكن نزل نهي عن هذه التسمية بعد، فلما نزل النهي بينه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ليتركوه فتركوه.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب المدينة، ويحب أهلها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر ينظر إلى جدر المدينة المنورة، ويطرح رداءه ويقول: "هذه أرواح طيبة" ٥ ويحث راحلته على سرعة السير نحوها حبًا وسرورًا بالمدينة، وأهلها, وكثيرًا ما كان ينادي ربه: "اللهم اجعل لنا بالمدينة قرارًا، ورزقًا حسنًا" ٦ ومن دعائه صلى الله عليه وسلم للمدينة ما رواه أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول: "اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة" ٧.

وعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة ودعوت لها في مدها وصاعها مثل ما دعا


١ سورة الأحزاب: ١٣.
٢ سورة المنافقون: ٤.
٣ صحيح البخاري كتاب مناقب الأنصار باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ج٦ ص٢٠٣, والوهل: الظن.
٤ سبل الهدى والرشاد ج٣ ص٤٣٤.
٥ صحيح البخاري كتاب الحج ج٣ ص٢٨٣.
٦ سبيل الهدى والرشاد ج٣ ص٤٣٠.
٧ صحيح البخاري كتاب الحج ج٣ ص٢٨٢.

<<  <   >  >>