خامسًا: آخر بعوث النبي صلى الله عليه وسلم بعث أسامة
كبر على الرومان أن ينضم أتباعهم السابقون من عرب الشمال إلى ركب الإسلام واتباع محمد صلى الله عليه وسلم فأخذوا في اضطهاد من يعلن إسلامه، وقتلوا والي "معان" بعد دخوله في الإسلام وانضمامه إلى المسلمين، فكان لا بد من تلقين الرومان درسًا يعلمون به أن محمدًا لن يترك أتباعه، ويدركون أن عاقبة عدوانهم ستنقلب عليهم, وأن مصلحتهم في تجنب معاداة المسلمين، وعدم الاستهانة بهم وبدينهم فأخذ صلى الله عليه وسلم في أوائل العام الحادي عشر بتجهيز جيش ضخم وأمر عليه الصحابي "أسامة بن زيد" رضي الله عنه ولم يبلغ بعد الثامنة عشرة، وجعل في الجيش كبار الصحابة, وأمر صلى الله عليه وسلم أسامة أن يطأ أرض الروم ولا يتعمق في المسير لتحقيق هدف واضح يؤدي إلى إرهاب الروم، ويمنعهم من العدوان على المسلمين والتعدي على بلادهم, وقد تم تجهيز الجيش، واستعد للرحيل، وشاءت إرادة الله تعالى أن تكون حركته في أول عهد أبي بكر رضي الله عنه بعدما لقي رسول الله ربه في هذه الأثناء.
ولعل من أوضح دروس هذا البعث تولية أسامة إمارة الجيش ليكون درسًا للشباب الإسلامي ليعلموا دورهم في بناء الأمة، وتيقنوا من أهميتهم في المحافظة على قوتها, وقد انضم كبار الصحابة إلى جيش أسامة طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحبًا في الجهاد، وإبقاء لضرورة طاعة أمر الله ورسوله على الزمن كله، وتقديم النص الصريح على أي اجتهاد عقلي مهما كانت دقته ووضوحه.
وسيأتي تفصيل بعث أسامة حين نتناول بالدراسة تاريخ الدعوة في عهد أبي بكر رضي الله عنه.