بعد تأديب الأعراب، والقضاء على شوكتهم أخذ المسلمون يتهيئون لملاقاة كفار مكة في الموعد الذي ضربوه لهم بعد "أحد".
وسبب هذه الغزوة أن أبا سفيان بن حرب لما أراد أن ينصرف يوم أحد نادى المسلمين، وقال لهم جهرًا وعلانية: موعد ما بيننا وبينكم بدر الصفراء، رأس الحول، نلتقي فيه فنقتتل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب:"قل نعم إن شاء الله" ١.
فافترق الناس على ذلك، ورجعت قريش وأخبروا من قبلهم بالموعد.
وكانت بدر الصفراء مجمعًا للعرب، وسوقًا تقوم لهلال ذي القعدة إلى ثمان ليال خلون منه، فإذا مضت ثماني ليال تفرق الناس إلى بلادهم.
فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحب ألا يوافي رسول الله صلى الله عليه وسلم الموعد حتى يدعي أن التخلف عن اللقاء بسبب المسلمين لا بسببه.
واستعمل أبو سفيان سلاح الضغط النفسي فكان يظهر أنه يريد أن يغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع كثيف، ويتحدث في ذلك حتى يصل الخبر إلى أهل المدينة، ويعلموا أنه يجمع الجموع ويحشد العرب، فيخافون ويقعدون.
قدم نعيم بن مسعود الأشجعي مكة -وأسلم بعد ذلك- فأخبر أبا سفيان، وقريشًا أن المسلمين يتهيئون لحربهم فأعلمه أبو سفيان بأنه كاره للخروج إلى لقاء المسلمين، واعتل بجدب الأرض، وجعل لنعيم عشرين فريضة توضع تحت يد سهل بن عمرو، على أن يخذل المسلمين عن المسير لموعده، وحمله على بعير.
فقدم نعيم المدينة، وأرجف بكثرة جموع أبي سفيان حتى أرعب المسلمين، وتمنوا عدم الخروج في الموعد واستبشر المنافقون واليهود وقالوا: لن يفلت محمد من هذا الجمع فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى خشي ألا يخرج معه أحد.
وجاءه أبو بكر وعمر رضي الله عنه وقد سمعا ما سمعا فقالا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى