حين ننظر إلى معركة "أحد" نرى تقلب أحداثها، وتبدل أحوالها في كل أطرافها فلقد عاش كل فريق الغلبة والانكسار، مرة بعد أخرى، إلا أن محصلة الخسائر في المسلمين كانت أكبر منها في معسكر المشركين، وهذا ما جعل بعض المؤرخين يرى أن المسلمين قد انهزموا في أحد، باعتبار عدد القتلى، وكثرة الجرحى، ورجوع المشركين بقتلاهم دون أن يؤسر منهم أحد، رغم أن القتال كان بجوار المدينة بعيدًا عن موطنهم مكة.
والأمر بمقياس ذاك الزمان يشير إلى هزيمة المسلمين؛ لأن المعارك كانت عبارة عن تشابك بالأيدي، وتلاحم بالسيوف، ومواجهة مباشرة بالدروع والنبال، وكانت الحرب تستمر يومًا وبعض يوم، كما حدث في "بدر" وفي "أحد" وفي غيرهما من السرايا والغزوات وبعدها يقف القتال، ويعود كل فريق لموطنه، والنصر حينئذ يكون لمن ألحق بخصمه خسائر أكبر.
وبهذا المقياس يظهر انتصار القرشيين كما فهمه معاصرو "أحد" ولذلك أتى أبو سفيان حين قدم مكة هبل وقال له: قد أنعمت علي ونصرتني، وشفيت نفسي من محمد، وأصحابه، وحلق رأسه, وما فعل أبو سفيان ذلك إلا لشعوره بانتصار المكيين على المسلمين.
وبسبب هذا الفهم أخذ الأعداء يجاهرون بعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللإسلام، وجرءوا على معاداة المسلمين، وكثر التواصل بينهم شماتة بالمسلمين، وفرحًا بهزيمتهم وأملا في استمرار الإحساس بالنصر.
لكن بعض العلماء ينظر لأحداث "أحد" من ناحية أخرى، ويرى أنها كانت صقلا للمسلمين، وتقوية لإيمانهم، وتجلية لما يجب أن يلتزموا به في إطار حركة الدعوة وهم يعملون للإسلام، ويسلم هؤلاء العلماء بانتصار القرشيين ظاهرًا، ويرونه انتصارًا مؤقتًا لا يلبث أن يزول، وأن خسائر المسلمين جزء من الإعداد والتدريب، ويقولون: إن انكسار المسلمين يوم "أحد" كان عامل قوة لهم أدت بهم إلى انتصارات لاحقة، بعدما استفادوا من دروس "أحد" وتمكنوا بالانتصارات اللاحقة من نشر الإسلام، وإيصال الدعوة