للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣- سرية الخبط:

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في سرية فيها المهاجرون والأنصار، وهم ثلاثمائة رجل، إلى ساحل البحر إلى حي من جهينة، فأصابهم جوع شديد، فأكلوا الخبط حتى إن شدق أحدهم بمنزلة مشفر البعير العضة، فمكثنا على ذلك حتى قال لهم أبو عبيدة: لو لقينا عدوًا ما كان بنا حركة إليه، لما بالناس من الجهد.

فقال قيس بن سعد: من يشتري مني تمرًا يجزر، يوفيني الجزر ها هنا وأوفيه التمر بالمدينة؟

فجعل عمر بن الخطاب يقول: واعجباه لهذا الغلام، لا مال له يدان في مال غيره فوجد قيس رجلا من جهينة فقال له: بعني جزرًا وأوفيك سقة من تمر بالمدينة.

قال الجهني: والله ما أعرفك؟ ومن أنت؟

قال: أنا قيس بن سعد بن عبادة بن دليم.

قال الجهني: ما أعرفتني بنسبك، أما إن بيني وبين سعد خلة، سيد أهل يثرب، فابتاع منهم خمس جزر كل جزور بوسقين من تمر، يشترط عليه البدوي تمر ذخيرة مصلية من تمر آل دليم.

يقول قيس: نعم.

فقال الجهني: فأشهد لي فأشهد له نفرًا من الأنصار ومعهم نفر من المهاجرين.

قال قيس: أشهد من تحب، فكان فيمن أشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

فقال عمر: لا أشهد هذا يدان ولا مال له، إنما المال لأبيه.

قال الجهني: والله ما كان سعد ليخنى بابنه في سقة من تمر، وأرى وجهًا حسنًا وفعالا شريفًا.

فكان بين عمر وبين قيس كلام حتى أغلظ له قيس الكلام، وأخذ قيس الجزر فنحرها لهم في مواطن ثلاثة، كل يوم جزورًا فلما كان اليوم الرابع نهاه أميره.

وقال أبو عبيدة: تريد أن تخفر ذمتك ولا مال لك؟ ١.

أقبل أبو عبيدة بن الجراح ومعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى قيس ونهياه عن ذبح الجزر فقال أبو عبيدة: عزمت عليك ألا تنحر، أتريد أن تخفر ذمتك ولا مال لك؟

فقال قيس: يا أبا عبيدة أترى أبا ثابت وهو يقضي دين الناس، ويحمل الكل


١ المغازي ج٢ ص٧٧٥.

<<  <   >  >>