ويطعم في المجاعة، لا يقضي سفة تمر لقوم مجاهدين في سبيل الله، فكاد أبو عبيدة أن يلين له، ويتركه حين جعل عمر يقول: اعزم عليه فعزم عليه، فأبى عليه أن ينحر، فبقيت جزوران معه حتى وجد القوم الحوت في البحر فكفاهم اثنى عشر يومًا.
فقدم قيس المدينة ظهرًا مع المسلمين وهم يتعاقبون على ما بقي معه من الإبل وبلغ سعد ما كان أصاب القوم من المجاعة.
فقال: إن يكن قيس كما أعرفه فسوف ينحر للقوم.
فلما قدم قيس لقيه سعد فقال: ما صنعت في مجاعة القوم حيث أصابهم؟
قال: نحرت.
قال: أصبت انحر.
قال: ثم ماذا؟
قال: نحرت.
قال: أصبت.
قال: ثم ماذا؟
قال: ثم نحرت.
قال: أصبت، انحر.
قال: ثم ماذا؟
قال: نهيت.
قال: ومن نهاك؟
قال: أبو عبيدة بن الجراح أميري.
قال: ولم؟
قال: زعم أنه لا مال لي وإنما المال لأبيك.
فقلت: أبي يقضي عن الأباعد، ويحمل الكل، ويطعم في المجاعة، ولا يصنع هذا بي وبالمجاهدين.
قال أبوه: فلك أربع حوائط، وكتب له بذلك كتابًا، وأتى بالكتاب إلى أبي عبيدة فشهد فيه، وأتى عمر فأبى أن يشهد فيه، وأدنى حائط يعطي منها خمسين وسقًا.
وقدم البدوي مع قيس فأوفاه سقته وحمله وكساه، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فعل قيس.