وعلى الرغم من أن الإنفاق والعطاء معلم بارز في الشخصية المسلمة؛ لأنه يتكرر كثيرًا في القرآن الكريم كله وهو يدعو إلى الإنفاق، ويجعله جزءًا من المتطلبات التي لا تنفك عن المسلم، ويجعل الزكاة -وهي العطاء الواجب- ركنًا من أركان الإسلام، فلا إسلام إلا به.
على الرغم من هذا كله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمرن الأمة المسلمة باختبارات عديدة لتعميق هذه القيمة العالية، قيمة الإنفاق والعطاء دون مقابل عاجل حيث جعلها إقراضًا لله يوفيه لصاحبه يوم القيامة.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ في أكثر أوقاته من البخل، ويطلب من المسلمين أن يجعلوا هذا التعوذ في وردهم الصباحي والمسائي.
وكان حينما تأتيه أموال الغنائم ينفق يمينًا وشمالا، إنفاق من لا يخشى الفقر، ويرى المسلمون منه هذا السلوك.
وكان يعطى للناس، يتألف به قلوبهم، فيجذبهم إلى الإسلام من خلال عطائه، حتى أن أحدهم يكون مبغضًا للإسلام ولرسول الله قبل العطاء، فما أن يجد السخاء يجري بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تنتفخ كوة من قلبه على الإيمان، فيقبل إقبالا صادقًا ويحسن إسلامه.
ومع هذا فهو صلى الله عليه وسلم يترك أقوامًا ولا يعطيهم، يكلهم إلى إيمانهم وتقواهم؛ لأنه يريد أن يربي هذه النفوس على الارتفاع عن هذه المظاهر المادية الزائلة فقال صلى الله عليه وسلم:"فوالله إني لأعطي الرجل، وأدع أحب إلي من الذي أعطي، ولكني أعطي أقوامًا لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقوامًا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير".
وبعد حنين، وبعد أن قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم بين المسلمين، جاءته هوازن مسلمة، فأراد أن يرجع إليهم ما أخذ منهم من الغنائم التي قد وزعها بين المسلمين،