وعمل ثانيًا على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية العملية؛ لأن الإسلام لا تهمه أمة فارغة القلب والضمير لأنها تكون حينئذ ضعفًا ووهنا لا يسمن ولا يغني من جوع.
ولا تهمه أمة تعلن الإسلام ولا تعمل به، وترفع الشعار ولا تشعر به، وتدعي الدين وهي تناقضه بسلوكها وعملها.
وحتى تصير الأمة سندًا لحماية الحق، ونصر الدين كان لا بد لها أن تقيم بنيانها على تقوى من الله تعالى، ولعل ذلك هو ما قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبدأ نشاطه في المدينة ببناء مسجده الشريف ليكون مكانًا للتربية والتعليم, وجامعة يتلقى فيها المسلمون تعاليم الإسلام وتوجيهاته، ومنتدى تتآلف فيه العناصر القبلية المختلفة التي طالما نافرت بينها النزعات الجاهلية وحروبها، وقاعدة لإدارة جميع شئون الدولة، ومركزًا لبعث الحملات والسرايا العسكرية، وبرلمانًا لعقد المجالس الاستشارية والتنفيذية، وكان مع هذا كله دارًا يسكن فيه عدد كبير من فقراء المهاجرين الذين لم يكن لهم دار ولا مال ولا أهل ولا بنون.
لقد تحولت المدينة إلى مستقر آمن للدعوة، ومنطلق رئيس للحركة بالإسلام ولهذا رأينا تماسك المهاجرين والأنصار وتآخيهم تحت لواء الله تعالى في صورة متكاملة متوازنة وكان هذا التكامل شاملا لكل جوانب حياة أهل المدينة ولن أتحدث عن كل صور هذا التكافل ولكني أشير إلى بعض تلك الصور فقط وأهمها:
التكافل في بيت النبوة: فبيت النبوة هو مقر قيادة الأمة، فحينما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب الأنصاري وظل في منزله قرابة السبعة الأشهر، كان لا بد من توفير الطعام الذي يحتاجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ينزل عليه من الناس، ولهذا تسابق الأنصار إلى بيت أبي أيوب يأتون بالطعام, جعلوا لأنفسهم نظام التناوب، فكل مرة مجموعة منهم، وما كانت من ليلة إلا وعلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة والأربعة يحملون الطعام، يتناوبون، وكان يدعو النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فيأكلون معه، فيحضر عشاءه الخمسة إلى الستة إلى العشرة.
التكافل في استقبال الأنصار للمهاجرين: لقد كانت المؤاخاة هي أبرز ما في الصورة فعبد الرحمن بن عوف كان أخا لسعد بن الربيع الأنصاري فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك دلني على السوق