ويقوم الولاء لقيادته الجديدة مقام الولاء للقيادة الجاهلية القبلية، ويصبح الولاء فيه للإسلام وحده، وبهذا تتحقق سائر العلاقات وتنمو تحت مظلة رابطة العقيدة والإيمان.
ولقد تحقق الغرض من هذا الإجراء الفذ، وبقي أثره محركًا في حياة الصحابة حتى الوفاة فهذا بلال رضي الله عنه كان يقول في عهد عمر عن أخوته مع أبي رويحة: لا أفارقه أبدًا للأخوة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقدها بينه وبيني.
إن وجود الأمة الإسلامية القوية هي أكبر سند لحركة الدعوة؛ لأن المسلمين بعد تحقيقها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عالم الواقع لم يتعرضوا لعدوان، ولم يمنعهم الهمج والأراذل من الحركة والانطلاق.
وليس من تنظيم الجماعة المؤمنة تشتت الأفراد في اتجاهات مادية متعددة متعارضة لأن هذا في الحقيقة تفريق للأمة، وتضييع لجهودها, وذلك التشتت يظهر كثيرًا حينما يعمل الأفراد لعدة غايات متعارضة.
لقد نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهجرة سائر المؤمنين إلى المدينة لتحقيق هذه القاعدة الواحدة القوية، ولذلك يقول الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ١.
والآية واضحة في وجوب الهجرة والتجمع في المدينة لأن المسلمين لو عاشوا أفرادًا حيث هم لتكالبت عليهم الأفاعي، وقضى عليهم الطغاة, ولذلك كانت هجرتهم إلى رسول الله لتكوين أمة مسلمة تعيش الإسلام، وتقدم نموذجًا عمليًا لتعاليمه أمام الناس.
وعمل ثانيًا على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية العملية؛ لأن الإسلام لا تهمه أمة فارغة القلب والضمير لأنها تكون حينئذ ضعفًا ووهنا لا يسمن ولا يغني من جوع.