بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العالم كله فأخذ يبلغ الإسلام، ويتحرك به وفق منهج واقعي، فبدأ بالدعوة في مكة حيث بدأ نزول الوحي فيها، واستمرت الدعوة في مكة موطنها الأول ثلاثة عشر عامًا، تنوعت فيها الوسائل، وتعددت الأساليب، وتحمل المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مسئولية تبليغ الإسلام، ونشره بين الناس.
ومع أن الإسلام دين الخلق الكريم، والمعاملات النبيلة، والعقيدة الصافية الصادقة، ومسلكه الحسن الدائم، وغايته تكريم الإنسان، والمحافظة على كافة الحقوق وتحقيق السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة.
رغم أن الإسلام هكذا فإن أهل مكة، وبخاصة كبراؤها وسادتها لم يؤمنوا بدعوة الله، وإنما أخذوا في ردها، وصد الناس عنها، يدفعهم الحقد، وتغذيهم العصبية، ويحركهم الحرص على وضعيتهم الظالمة التي جعلوها منهج حياتهم.
وقد رأينا في دراسة العهد المكي مدى عدوانية كفار مكة، واضطهادهم لكل من أسلم ووقوفهم سدًا يصد الناس عن استماع دعوة الله, وأخذوا يتهمون محمدًا صلى الله عليه وسلم بالأكاذيب المضللة حتى لا يسمعه أحد، مستفيدين من كثرتهم ومنزلتهم في قلوب الناس وتحكمهم في التجارة والمال، وقد نجحوا في عدوانيتهم إلى حد بعيد.
إن عرب الجزيرة كانوا يقولون:"أهل الرجل أعرف به" فنأوا بأنفسهم عن الصراع الموجود في مكة، منتظرين نتائجه ليتخذوا بعد ذلك الموقف الذي يرونه.
لقد دخل في الإسلام عدد قليل من مكة، ولو استمر إيمان الناس بالوتيرة التي سارت عليها خلال العهد المكي لاحتاج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الزمن كله ليصل الإسلام إلى الناس في العالم كله، لأن جملة من دخل في الإسلام خلال العهد المكي لم يزد عن المائتين إلا قليلا، على خوف من طواغيت مكة واعتداء كبرائها.
أمام هذا كان لا بد لدعوة الله تعالى أن تتخذ منهجًا جديدًا، ومسارًا آخر تحقق