للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سادسًا: موقف المسلمين بعد توقيع الصلح

بعد توقيع وثيقة الصلح، وإشهارها بين الناس، دخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلت بكر في عهد قريش، وكان هذا أول اختبار لالتزام الأطراف بالصلح الذي اتفقوا عليه.

رحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني خزاعة، وكره ذلك القرشيون فقال حويطب لسهيل: بادأنا أخوالك بالعداوة، وكانوا يتسترون منا، قد دخلوا في عقد محمد وعهده.

فقال سهيل: ما هم إلا كغيرهم، هؤلاء أقاربنا ولحمتنا، قد دخلوا مع محمد، قوم اختاروا لأنفسهم أمرًا فما نصنع بهم؟

قال حويطب: نصنع بهم أن ننصر عليهم حلفاءنا بني بكر.

قال سهيل: إياك أن تسمع هذا منك بنو بكر، فإنهم أهل شؤم، فيقعوا بخزاعة، فيغضب محمد لحلفائه، فينتقض العهد بيننا وبينه١.

ورجع سهيل وصاحباه إلى قريش.

وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وقال لهم: "قوموا فانحروا، واحلقوا". فلم يجبه أحد إلى ذلك، فرددها ثلاث مرات، فلم يفعلوا، فدخل على أم سلمة رضي الله عنها وهو شديد الغضب فاضطجع.

فقالت: ما لك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالته مرارًا وهو لا يجيبها.

ثم قال: "عجبًا يا أم سلمة، إني قلت للناس انحروا واحلقوا مرارًا، فلم يجبني أحد من الناس إلى ذلك، وهم يسمعون كلامي، وينظرون في وجهي".

فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق أنت إلى هديك فانحره، فإنهم سيقتدون بك.

فاضطبع بثوبه وخرج، فأخذ الحربة ويمم هديه، وأهوى بالحربة إلى البدنة رافعًا صوته: "بسم الله والله أكبر". ونحر.

فتواثب المسلمون إلى الهدي، وازدحموا عليه ينحرونه، حتى كاد بعضهم يقع على


١ إمتاع الأسماع ج١ ص٢٩٤.

<<  <   >  >>