أولا: هدوء جبهة قريش وظهور مفرزة أبي بصير رضي الله عنه
تم توقيع الصلح في شهر ذي القعدة، والعرب بقبائلهم، وأعرابهم في مكة يقيمون أسواقهم، ويؤدون منسكهم وفق ما بقي عندهم من علم بدين إبراهيم عليه السلام.
فشاهدوا ما حدث بين المسلمين وبين قريش، وعلموا بالصلح الذي تم.
لقد كانت قريش تقود الحرب ضد الإسلام والمسلمين، وتجمع حولها المنافقين، واليهود، والأعراب، وكل معارض لظهور دين الله تعالى.
فلما تم صلح الحديبية التزمت قريش به، وتخلت عن كافة أنشطتها المناوئة للإسلام، فانفرط عقد الأحزاب، وخمدت فتن المنافقين، وانحسر خطر اليهود، وتبعثرت القبائل الوثنية في أرجاء الجزيرة العربية، وأخذت قريش تهتم بمصالحها، وتجارتها وبخاصة بعدما أمنت طريق قوافلها.
وأدى هذا الوضع إلى هدوء عام للعواصف القرشية التي كانت تثار ضد الإسلام وأخذ المسلمون يهتمون بتعريف الناس دينهم بالحسنى، ومخاطبة القبائل وإقناعها بالإسلام الأمر الذي أدى إلى دخول الناس في الإسلام بأعداد غفيرة، حتى إن الذين دخلوا في الإسلام في العام ما بين الصلح وعمرة القضاء كانوا أكثر عددًا من الذين أسلموا في المدة من أول البعثة حتى الحديبية.
ولذلك تأكد الصحابة من أن صلح الحديبية هو الفتح الأعظم كما أخبرتهم سورة الفتح.
يروي الزهري: أن صلح الحديبية أعظم فَتْحٍ فُتِحَ في الإسلام.
ويستدل ابن إسحاق على عظمة هذا الفتح بأن عدد الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الحديبية كانوا ألفًا وأربعمائة والذين خرجوا يوم فتح مكة كانوا عشرة آلاف.
إن صلح الحديبية أظهر الوجه الحقيقي للإسلام، فبدأ الناس يتأملونه؛ ولذلك سارعوا إلى الدخول فيه بعدما انزاحت العقبة الكئود أمام إيصال الحق للناس، واستمر تطبيق بنود الصلح المتفق عليها، ولم يحدث لها تغيير، إلا بعد أن طلب القرشيون تعديل البند الثالث الذي أظهر التطبيق العملي ضرره على قريش بعدما كون أبو بصير رضي الله عنه مفرزته في طريق أهل مكة.
لقد جلبت قريش الشر لنفسها باشتراطها ضرورة إعادة من يسلم من أهل مكة إليها إذا هاجر إلى المدينة، وأثبتت الحوادث أن هذا الشرط أفاد الجبهة الإسلامية