أدت السرايا والغزوات إلى تغيير كثير من المفاهيم التي سارت بين العرب قبلها، لقد تصور العرب أن المسلمين خرجوا من مكة فارين لا شأن لهم، وأن أمر الإسلام سيبقى حبيسًا في المدينة، وأن سلطان المكيين سيبقى عاليًا، ولذلك لم يدخل أحد من العرب في الإسلام بعدما صدقوا ما يشيعه أهل مكة عن الإسلام والمسلمين، وبخاصة أن المكيين يفاخرون بأمجادهم، ويظهرون قوتهم وسلطانهم.
وقد أدت السرايا إلى تغيير كل هذه الأفكار لأنها تمت بطريقة سديدة، فقد تحركت السرايا إلى سائر القبائل المنتشرة في البوادي، وتعددت النواحي التي قصدتها حيث اتجهت كل واحدة منها لجهة ما، ولقوم معينين.
كما أن كل واحدة منها قصدت في توجهها أهل هذه النواحي أولا مع محاولة الإمساك بأموال تجارة قريش التي تمر في هذه الناحية ثانيًا؛ لأنها في الحقيقة أموالهم، وذلك لإحداث تأثير مزدوج في نفوس القبائل، وعند أهل مكة.
وهذا الأمر يمثل ما عرف حديثًا بالحرب الاقتصادية التي يقصد بها تحقيق النصر بلا قتال، كما تعرف بالحرب النفسية لإدخال الرعب والهزيمة في نفس الأعداء أيضًا.
وحين نعلم أن السرايا والغزوات بدأت بعد الهجرة بسبعة أشهر، واستغرقت عشرة أشهر تقريبًا يظهر لنا ولكل عاقل مدى شجاعة المسلمين، ومدى استعدادهم للبذل من أجل نيل حقوقهم، ومدى طاعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت في محرم من العام الأول للهجرة، ووقعت السرية الأولى في شهر رمضان من السنة الأولى، ووقعت السرية الأخيرة في شهر رجب من العام الثاني. حين نعلم ذلك -وهو حق- ندرك مدى حيوية المسلمين ومدى نشاطهم، وحركتهم التي أذهلت قبائل العرب في الجزيرة كلها، وأظهرت قوة المسلمين واستعدادهم لمواجهة أهل مكة ومن يشايعهم بعد أشهر قليلة من الهجرة، مما جعل أهل مكة لا يهنأون بما اغتصبوا من أموال وديار، فبدءوا يعيشون الواقع الجديد وبعدما كانت قوافلهم تسافر بعدد قليل من الرجال المسلحين.