تمت هجرة المسلمين إلى المدينة، وترك المسلمون ديارهم من أجل الله ورسوله، وتحملوا مشقة السفر، ووعثاء الطريق، وابتعدوا بذلك عن أهل مكة، ولم يكن ذلك أمرًا سهلا على نفوسهم، ولا ميسرًا أمامهم، فلقد وقف القرشيون ضد ذوي الشأن منهم فمنعوا البعض من الهجرة، واعتدوا على آخرين، وبذلك فإني أركز على بعض الوقفات لأبين مدى التضحيات التي بذلها جيل العظمة الإسلامية.
١- دقة الطاعة:
التزم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأوامره لهم، وكان ذلك واضحًا في كل من انتظر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، ولقد رأينا كيف قام عليّ رضي الله عنه بالمبيت على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرض نفسه للموت، وكيف كان أبو بكر رضي الله عنه في كل مراحل الهجرة.
ورأينا أبناء أبي بكر ومولاه وهم يعملون خارج الغار لتأمين السلامة للرسول وصاحبه، ولم يأبهوا لعدوان قرشي يلحق بهم، ولم يتأثروا بأي أذى يقع عليهم.
يروي ابن إسحاق عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه إلى الغار أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟
قلت: لا أدري والله أين أبي؟
فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشًا خبيثًا، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي١.
وقد استمر أبناء أبي بكر في بيته حتى علموا بوجهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر من شاعر سمعاه يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم بعد