للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.........................


مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} .
وقد ذكر الشافعية: أن المسلم إذا قدر على إظهار دينه في دار الحرب، وأمكنه الاعتزال في مكان خاص يمتنع فيه من الكفار فإنه تحرم عليه الهجرة؛ لأن مكان اعتزاله وتحصنه صار دار الإسلام لامتناعه، فلو هاجر لعاد ذلك المكان بسبب هجرته إلى حوزة الكفار، وهذا أمر لا يجوز؛ لأن كل مكان قدر أهله على الامتناع فيه من الكفار صار دار إسلام.
ولتأييد ما ذهب إليه الشافعية ينقل الإمام النووي قول الماوردي في كتابه الحاوي فيقول: فإن كان يرجو ظهور الإسلام هناك بمقامه فالأفضل أن يقيم، وإن قدر على الامتناع والاعتزال وجب عليه المقام بها لأن موضعه دار إسلام، فلو هاجر لصار دار حرب، فيحرم ذلك، ثم إن قدر على مجاراة الكفار ودعوتهم إلى الله، لزمته الإقامة وإلا فلا.
ويستأنس النووي لما ذهب إليه الشافعية بما كان عليه والد الأنبياء وإمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام حيث كان مؤمنًا وحده يعلم الناس الخير، والناس كلهم حوله كفار، فامتدحه رب العزة بقوله سبحانه: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} .
والناظر في أوضاع العالم المعاصرة يرى أن ديار الكفر الآن أكثر أمنًا من غيرها، لما تتضمنه من نظم تسمح بقدر وافر من حرية الحركة، والكلمة، والتدين، والاعتقاد، في الوقت الذي نرى فيه الاستبداد، والظلم، والاضطهاد يوجه ضد المسلمين فيما يعرف بالعالم الثالث، وبلاد الإسلام جزء منه.
إن دار الإسلام في العصر الحديث ليست على وجهها المطلوب لما يوجد فيها من فسق، وعري، وفن، وانحلال وهي بذلك تشبه ما هو موجود في بلاد غير المسلمين والدعاة في البلاد الإسلامية الآن محاطون بالرقابة والقيود أكثر من غيرها من البلاد.
ولهذا نرى رجحان مذهب الإمام الشافعي.

<<  <   >  >>