للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ب- موقف القرشيين:

أرسلت قريش عيرها إلى الشام، في قافلة ضخمة، بقيادة أبي سفيان بن حرب، وكانت القافلة مكونة من ألف بعير، فيها أموال عظام، ولم يبق بمكة قرشي، ولا قرشية له مثقال فصاعدا إلا بعث به في هذه العير، فأدركهم رجل من جذام بـ"الزرقاء"١ من ناحية "معان"٢ -وهم منحدرون إلى مكة- فأخبر أبا سفيان أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان قد عرض لغيرهم في بدأتهم، وأنه تركه مقيمًا ينتظر رجعتهم، وقد حالف أهل الطريق، ووادعهم، فخرجوا خائفين الرصد، وبعثوا "ضمضم بن عمرو" حين فصلوا من الشام، وأمره أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية أن يخبر قريشًا أن محمدًا قد عرض لغيرهم، وأمره أن يجدع بعيره إذا دخل مكة، ويحول رحله، ويشق قميصه من قبله ودبره، ويصيح: الغوث الغوث.

فلم يرع أهل مكة إلا وضمضم يقول: يا معشر قريش! يا آل لؤي بن غالب اللطيمة اللطيمة! قد عرض لها محمد في أصحابه، الغوث الغوث! والله ما أرى أن تدركوها، وقد جدع أذني بعيره، وشق قميصه، وحول رحله، فلم تملك قريش من أمرها شيئًا حتى نفروا على الصعب والذلول، وتجهزوا للحرب في ثلاثة أيام، وأعان قويهم ضعيفهم، وقام سهيل بن عمرو، وزمعة بن الأسود، وطعيمة بن عدي، وحنظلة بن أبي سفيان، وعمرو بن أبي سفيان، يحضون الناس على الخروج.

فقال سهيل: يا آل غالب، أتاركون أنتم محمدًا والصباة من أهل يثرب يأخذون عيراتكم وأموالكم؟ من أراد مالا فهذا مالي، ومن أراد قوة فهذه قوتي، فمدحه أمية بن أبي، وأيده في تهييج أهل مكة.

ومشى نوفل بن معاوية الديلمي إلى أهل القوة من قريش، فكلمهم في بذل النفقة والحملان، لمن خرج، فقال عبد الله بن أبي ربيعة: هذه خمسمائة دينار فضعها حيث رأيت


١ الزرقاء تأنيث الأزرق موضع جنوب الشام جهة معان.
٢ معان بفتح الميم أو ضمها وهي مدينة في طرف بلاد الشام الدنيا.

<<  <   >  >>