للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سابعًا: الأحزاب في رحاب القرآن الكريم

سجل القرآن الكريم أحداث غزوة الأحزاب، وبين مواضع العبرة والعظة فيها، وجعلها منطلقًا للهداية، والرشد، وحسن الاتباع، وبنى عليها ضرورة الإخلاص في العبودية، وأهمية الصدق في الالتزام والطاعة؛ لأن ما حدث كان نصرًا إلهيًا واضحًا، قدره الله لعباده المؤمنين.

وقد سمى الله تعالى إحدى سور القرآن باسم الغزوة، وهي السورة المعروفة بسورة "الأحزاب" المدنية المكونة من ثلاث وسبعين آية، وعدد الآيات التي تحدثت عن الغزوة في السورة ست عشرة آية بالإضافة إلى آيتين تحدثتا عن بني قريظة.

وتبدأ الآيات بتذكير المؤمنين بفضل الله عليهم بعد مجيء الأحزاب المدينة, إذ إنه بعدما اشتد الأمر على المسلمين، أرسل الله ريحًا وجنودًا لا ترى وسلطها على هؤلاء البغاة من الأحزاب الذين أحاطوا بالمسلمين من الخارج والداخل، فأهلكتهم وهزمتهم في وقت ظن المؤمنون أن النصر بعيد وأن الهزيمة آتية، وكان هذا قمة البلاء وغايته، وبعدها جاء نصر الله تعالى, وهذا لون من التربية العملية التجريبية، كون الله بها الجماعة المسلمة الأولى يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا، إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا} ١.

والآيات ترسم بداية المعركة ونهايتها، وتشير إلى أهوالها وأحداثها بإجمال، وتصور ما أصاب المسلمون من خوف وهلع، حتى زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وظن المسلمون بالله ظنًا كثيرًا.

وأما المنافقون فقد انتهزوا الموقف، وأخذوا يخذلون المسلمين، ويظهرون الشماتة، وينادون بترك الخندق، ويرجعون معتذرين بالأكاذيب، ويتهمون الرسول بأن وعده


١ سورة الأحزاب: ٩-١١.

<<  <   >  >>