استقر المسلمون في المدينة، وأخذوا يحيون الإسلام المنزل عليهم قولا وعملا، وظهرت قوتهم في دولة للإسلام، واجتهدوا بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ الإسلام، والدعوة لدين الله تعالى.
ولم يتوقف القرشيون عن محاولاتهم في صد الناس عن دين الله، وإعداد العدة للقضاء على المسلمين في المدينة، فأخذوا في تحريض أعراب البوادي، وتأليب قبائل العرب، وتهييج اليهود ليكونوا جميعًا معهم فيما يعملون له.
وشعر المسلمون أن قريشًا تتعامل مع القبائل المحيطة بالمدينة، والتي تسكن الطريق إلى مكة، للتحرك في أمان ويسر، وتنتقل بقوافلها التجارية في طمأنينة واستقرار، وفي نفس الوقت تحرم المسلمين من الخروج من المدينة، ودعوة هؤلاء الناس.
واستفادت قريش بما أشاعته كذبًا في أن محمدًا وأصحابه فروا من مكة خوفًا، وضعفًا، وبذلك تعاون الأعراب معها، وتصوروا الأمر كما زعم القرشيون.
وأخذ القرشيون يتفاخرون بالاستيلاء على أموال المهاجرين، بلا رادع يردعهم أو أناس يخافون منهم، ويعلنون أن قوتهم غالبة، ودينهم صحيح.
وهذه أمور تؤثر في نفوس العرب، وتدفعهم بعيدًا عن تصور الحق، أو البحث عنه ما دام الوضع كما سمعوا وتصوروا.
ولم يغب هذا الأمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أن الحركة بالدعوة في هذه الظروف تحتاج إلى تصرف عملي، يصحح مفاهيم الناس، ويظهر القوة الإسلامية، ويبعد الأعراب والقبائل المحيطة بالمدينة عن أكاذيب قريش، ويبين لقريش أن حقوق المهاجرين لن تضيع، وأن قوة المدينة ثابتة بموقعها، وبرجالها المؤمنين، وبصدق ما تدعو إليه، وفوق ذلك بمعية الله لها.
وصار من الضروري إظهار الإسلام بصفاته، ونقائه، وإنقاذه من غبش الطغاة، وأكاذيب المفترين.