استمر الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس في مكة ثلاثة عشر عامًا، مكتفيًا خلالها بالدعوة إلى العقيدة؛ لأنها أساس البناء الإسلامي، والركيزة الكبرى لإقامة المجتمع المسلم.
إن التنشئة الصحيحة تعتمد على العقيدة لاتصالها بالجانب الباطني في الإنسان ومن المعلوم أن الإنسان يتميز عن سائر الكائنات بهذا الجانب الهام، إذ به يتم التصور ويكون التصديق, وأي عمل خارجي ظاهر يحتاج إلى قرار باطني والإنسان الحر يعمل بما يؤمن به، ويتفق ظاهره مع باطنه دائمًا والمنافقون والضعفاء والمرضى والأرقاء هم الذين يفعلون عكس ما ينطقون، ويبطنون غير ما يظهرون وهذا حال يأباه دين الله تعالى.
إن الإنسان يقوده عقله، وهو الذي يسهل أمام صاحبه الصعب بعد اقتناعه ورضاه، وكثيرًا ما رأيناه من يقدم على إفناء الجسد وهو به راض سعيد، بصدور القرار من باطن مؤمن بفعل صاحبه.
لقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي المسلمين بالعقيدة حتى صفت نفوسهم، وسكن الإيمان قلوبهم، وصاروا عبيدًا للمعبود، واستسلموا لربهم الخالق العظيم، وحينئذ أتتهم الشريعة جزءًا جزءًا حسب أحوالهم، وحاجاتهم فأسرعوا إلى التطبيق، والالتزام العملي الدقيق.
لم يحدث مرة أن ترددوا في تنفيذ أمر أمروا به أو توقفوا عن ترك عمل أمروا بتركه ولو كان العمل هو حاجتهم، وكل نشاطهم.
والإيمان بالعقيدة هو الذي كون الجماعة الإسلامية الأولى في مكة قبل الهجرة.