للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣- الابتهاج بنصر الله تعالى:

أشاع اليهود والمنافقون في المدينة أكاذيب وتحدثوا عن هزيمة المسلمين، ولذلك عجل رسول الله صلى الله عليه وسلم برد هذا الافتراء، وإخبار أهل المدينة بانتصار المسلمين في بدر، فأرسل رسولين هما عبد الله بن رواحه بشيرًا لأهل العالية، وزيد بن حارثة بشيرًا لأهل السافلة فنادى عبد الله: يا معشر الأنصار أبشروا بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل المشركين وأسرهم، ثم أتبع دور الأنصار فبشرهم.

وقدم زيد بن حارثة على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء يبشر أهل المدينة، فلم يصدق المنافقون ذلك، وشنعوا، وقدم شقران بالأسرى وهم سبعون رجلا، وتلقى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالروحاء يهنئونه بفتح الله، فقدم المدينة صلى الله عليه وسلم مؤيدًا، مظفرًا، منصورًا قد أعلى الله كلمته، ومكن له وأعز نصره، ودخلها من ثنية الوداع في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من رمضان، فتلقاه الولائد بالدفوف وهن يقلن:

طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع

فأذل الله بوقعة بدر رقاب المشركين والمنافقين واليهود، ولم يبق بالمدينة يهودي ولا منافق إلا وشعر بالخزي، وأسلم حينئذ بشر كثير من أهل المدينة، ومن ثم دخل عبد الله بن أبي سلول وجماعته من المنافقين في دين الإسلام تقية.

وقد عم السرور، والفرح قلوب المسلمين جميعًا، وشكروا الله تعالى على ما أنعم عليهم من نصر، حتى أن النجاشي ملك الحبشة لما جاءه خبر انتصار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الحبشة أرسل إلى جعفر وأصحابه فدخلوا عليه وهو في بيت قديم عليه ثياب رثه، جالس على التراب فأخذ يبشرهم بالنصر، ويهنئهم بالفوز والفلاح.

يقول جعفر رضي الله عنه: فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال، فلما أن رأى ما في وجوهنا قال: إني أبشركم بما يسركم، إنه جاءني من نحو أرضكم عين لي فأخبرني أن الله قد نصر نبيه صلى الله عليه وسلم، وأهلك عدوه, وأسر فلان، وفلان، وقتل فلان، وفلان، التقوا بواد يقال له "بدر" كثير الأراك كأني أنظر إليه، كنت أرعى لسيدي رجل من بني ضمرة إبله.

فقال له جعفر: ما بالك جالس على التراب ليس تحتك بساط، وعليك هذه الأخلاط؟

قال له النجاشي: إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى أن حقًا على عباد الله أن يحدثوا لله تواضعًا عندما يحدث لهم من نعمة، فلما أحدث الله لي نصر نبيه صلى الله عليه وسلم أحدثت له هذا التواضع١.


١ البداية والنهاية ج٣ ص٣٠٧.

<<  <   >  >>