بعد هزيمة بني النضير، وطردهم من المدينة تخاذل المنافقون عن الجهر بكيدهم وغدرهم، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عددًا من القبائل البعيدة عن المدينة تحتاج لعملية تأديبية، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لتأديب هؤلاء الأعراب الخارجين المخادعين الذين يقيمون في الأماكن البعيدة عن المدينة في "نجد" وغيرها، وبخاصة بعدما علم أن جموعًا من بني محارب، وبني ثعلبة من غطفان تحتشد لمهاجمة المسلمين في المدينة.
أسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج إليهم في أربعمائة من أصحابه بعدما ولى على المدينة أبا ذر الغفاري رضي الله عنه فلما وصل إلى ديارهم بنجد فروا في رءوس الجبال فلم يقابل منهم أحدًا وقد وقعت هذه الغزوة في ربيع الثاني وأوائل جمادى الأولى من العام الرابع للهجرة١.
وأهمية هذه الغزوة تتجلى في مساهمتها في القضاء على العداوات المختلفة الموجودة عند الأعراب والبوادي، وبخاصة هؤلاء الذين يقطنون بعيدًا عن المدينة، ليتفرغ المسلمون لملاقاة المكيين الذين كانوا يتوعدون المسلمين، ويهددونهم مستعينين بهؤلاء الأعراب.
ويلاحظ أن هذه الغزوة كانت في بلاد نجد البعيدة عن المدينة، وهذا يؤكد قوة المسلمين ويعرف الجميع أن يد المسلمين طويلة، وأنها تستطيع الوصول إلى الأعداء في كل مكان لإبطال كيدهم، ومنعهم من العدوان أو التفكير فيه.
١ زاد المعاد ج٣ ص٢٥٠ والبعض يسمي هذه الغزوة بذات الرقاع وهو غير صحيح لأن غزوة ذات الرقاع شهدها أبو هريرة وأبو موسى الأشعري اللذان أسلما وقدما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل خيبر بأيام وبذلك فزمنها بعد خيبر على الأرجح.