للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثًا: المفاوضات مع قريش

بعد استقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الحديبية، وإشارته صلى الله عليه وسلم إلى تمني أن يخلي أهل مكة بينه وبين سائر العرب، جاءه بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه في مبادرة منه نصحًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إني تركت كعب بن لؤي ومعه نفر من قريش نزلوا عند مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكن جئنا معتمرين، وإن قريشًا قد أنهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم ١ ويخلوا ما بيني وبين الناس، وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فهو خير، وإلا قد جموا، وإن أبوا إلا القتال فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو لينفذن الله أمره" ٢.

قال بديل: سأبلغهم ما تقول.

وانطلق حتى أتى قريشًا وقال لهم: إني قد جئتكم من عند الرجل، وسمعته يقول قولا فإن شئتم عرضته عليكم.

فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء.

وقال ذو الرأي منهم: هات ما سمعته.

قال: سمعته يقول كذا كذا وحدثهم بما سمعه من رسول الله.

فلما انتهى بديل من مقالته لقريش.

قال عروة بن مسعود: إن بديلا جاءكم بخطة رشد لا يردها أحد إلا أخذ شرًا منها فاقبلوها منه، وابعثوني حتى آتيكم بمصداقيتها، وأكون لكم عينا٣ ألستم الولد وأنا الوالد؟

قالوا: بلى!

قال: هل تتهموني؟

قالوا: لا.

ورأى القرشيون أن يبعثوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا منهم لإيجاد حل يمنع المسلمين من الدخول هذا العام، وحتى لا يقع قتال في الشهر الحرام، وحتى لا يتحدث الناس أن أهل


١ ماددتهم أي أعطيتهم مدة يفكرون فيها ويتدبرون على مهل.
٢ الفتح الرباني بترتيب مسند أحمد الشيباني باب غزوة الحديبية ج٢١ ص٩٧.
٣ المغازي ج٢ ص٥٩٧.

<<  <   >  >>