للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خامسًا: موقف المسلمين من الصلح

لم يتوقع المسلمون الصلح بهذه السرعة ولم يتصوروا رجوعهم إلى المدينة بلا عمرة، لأنهم خرجوا من المدينة لا يشكون في الفتح لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم يتصوروا أبدًا مقدرة المكيين على منعهم من أداء العمرة.

وقد قدموا للعمرة مستعدين للموت في سبيل الله تعالى، ولذلك بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت تحت الشجرة، وقد مدحهم الله لإخلاص قلوبهم، وصدقهم فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} ١.

فلما تم الصلح داخل المسلمين أمر عظيم، وتصوروه ضعفًا، ودنية في الدين لا تجوز، وكادوا يهلكون لولا أنهم عند العمل أطاعوا وعملوا كعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ذلك أنه لما تم الصلح، ولم يبق إلا إمضاء الكتاب، وثب عمر بن الخطاب وقال: يا رسول الله! ألسنا بالمسلمين؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بلى".

فقال عمر: فعلام نعطى الدنية في ديننا؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا عبد الله ورسوله، ولن أخالف أمره، ولم يضيعني".

فذهب عمر إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال: يا أبا بكر ألسنا بالمسلمين؟

قال أبو بكر: بلى.

قال عمر: فلم نعط الدنية في ديننا؟

فقال أبو بكر: الزم غرزك، فإني أشهد أنه رسول الله، وأن الحق ما أمر به، ولن يخالف أمر الله، ولن يضيعه.

ولقي عمر رضي الله عنه في هذه القضية أمرًا كبيرًا، وجعل يردد على رسول الله صلى الله عليه وسلم تساؤله والرسول يرد عليه، ويقول: "أنا رسول الله ولن يضيعني".

فقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: ألا تسمع يابن الخطاب ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تعوذ بالله من الشيطان، واتهم رأيك، فجعل يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم


١ سورة الفتح: ١٠.

<<  <   >  >>