للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[أولا: غزوة بني قريظة]

نقض بنو قريظة عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت عصيب، وانضموا إلى الأحزاب وأخذوا في إمدادهم بالمؤن والطعام وعلف الدواب، وعاش المسلمون بسببهم لحظات عصيبة، خافوا خلالها على أطفالهم ونسائهم من غدر يهود بني قريظة, فلما أتم الله نصره، ورجع الأحزاب إلى ديارهم، عاد المسلمون متعبين إلى دورهم يريدون أن يدفئوا من القر، ويشبعوا من الجوع, لكن الله أمرهم بمواصلة الجهاد.

ولما علم يهود بني قريظة بانصراف الأحزاب ملكهم الخوف، وتوقعوا أن يكر المسلمون عليهم لما كانوا يعرفون من تصرف الرسول صلى الله عليه وسلم مع بني قينقاع، وبني النضير، وحدث ما توقعوه فإنه لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق، ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل عليه السلام وقال: قد وضعت السلاح يا محمد؟ والله ما وضعناه، فاخرج إليهم.

قال صلى الله عليه وسلم: "فإلى أين"؟.

قال جبريل عليه السلام: ها هنا وأشار إلى ديار بني قريظة.

فخرج صلى الله عليه وسلم إليهم وقال لأصحابه: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة". فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك "وفعل كل ما فهمه" وذكروا ذلك للنبي حين رؤيته فلم يعنف واحدًا منهم١.

وتقدمت الملائكة زحف الجيش الإسلامي، يقول أنس رضي الله عنه كأني أنظر إلى الغبار ساطعًا في زقاق بني غنم، موكب جبريل حين سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة٢.


١ صحيح البخاري كتاب المغازي باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ج٦ ص٣٢٨.
٢ صحيح البخاري كتاب المغازي باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ج٦ ص٣٢٩.
جاء في صحيح مسلم أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم تناول صلاة الظهر، مخالفًا ما رواه البخاري في صحيحه، والجمع بين الروايتين في كونها الظهر أو العصر محمول على أن هذا الأمر كان بعد دخول وقت الظهر، وقد صلى الظهر بالمدينة بعضهم دون بعض، فقيل للذين لم يصلوا الظهر لا تصلوا الظهر إلا في بني قريظة، وللذين صلوا بالمدينة لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة.
ويحتمل أنه قيل للجميع: لا تصلوا العصر ولا الظهر إلا في بني قريظة، ويحتمل أنه قيل للذين ذهبوا أولا لا تصلوا الظهر إلا في بني قريظة وللذين ذهبوا بعدهم لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة والله أعلم.

<<  <   >  >>