وكما تأمل المشركون في نتائج معركة الخندق تأمل المسلمون فيها أيضًا، وأدركوا أن الله معهم، وأن جند الله لا ينحصرون في صورة، أو عدد، أو جهة، أو في شيء؛ لأن لله جنود السماوات والأرض، وما يعلم جنود ربك إلا هو.
وصل المسلمون إلى نتيجة هي الحق حيث رأوا أن القبائل لن تسكت عن مهاجمة المسلمين، وستحاول كل قبيلة أن تفعل كل ما تقدر عليه، وبخاصة أن المسلمين حوصروا ولم يفعلوا شيئًا، ولولا الخندق لقضى الكفار عليهم.
لكل هذا حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تتبع أخبار القبائل، فأرسل عيونه في الجزيرة العربية كلها، فعادوا إليه بتأييد ما توقعه المسلمون، ولذلك كانت الغزوات والسرايا إلى هذه القبائل منعًا لغدرهم، وحتى لا يتمكنوا من الهجوم على المدينة مرة أخرى.
وكان الوحي الكريم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجهه إلى ما يجب عمله، وبذلك تحددت معالم الحركة، واتضحت السبل المؤدية لحماية الإسلام والمسلمين، وشرعها الوحي للناس لتبقي درسًا عمليًا، وخطة واقعية، أمام المسلمين إلى يوم القيامة.
لقد كان من الضروري مواجهة العداوات التي بثها المشركون بين القبائل العربية والإسراع في منعهم من الإعداد والهجوم، ولذلك تعددت الغزوات، وكثرت السرايا بعد الأحزاب، ووصلت إلى الأماكن البعيدة في نجد والشام.
وقام المسلمون بواجبهم الذي كلفوا به، وقادهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته، وأعانهم في سراياه، وبذلك لم يتركوا ظالمًا يعتدي، ولم يدعو طاغوتًا يستبد ويفتري، وصانوا حرية الدعوة وحرية الناس, وكانوا رضي الله عنهم بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم حركة إيجابية دائمة بالإسلام، وسيفًا مسلطًا على رقاب كل معتد أثيم.
إن العدل بالمسلمين صار له رجاله، والدعوة إلى الله وجدت في الجهاد خير من يحميها، وأصبح الطريق المستقيم صافيًا، نقيًا.
لقد تعددت الأحداث، وتنوعت بعد الأحزاب، واستمرت حتى صلح الحديبية وجرت في مسارها المشروع الذي قدره الله لها، وكما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا المبحث سأتناول أهم هذه الأحداث, وذلك فيما يلي: