خطورة بالغة لأنهم على علم بأحوال المسلمين وأخبارهم، ويمكنهم مفاجأة المسلمين، والغدر بهم في أي وقت كما أن لهم صلات بأهل مكة وبالقبائل العربية يستغلونها في إشاعة الأكاذيب، وصرف الناس عن التفكير في حقيقة الإسلام.
إن المسلمين عباد الله، وهبوا أنفسهم للحق، وجعلوا أرواحهم في خدمة دينهم، ولذلك عز عليهم تصرفات أعدائهم, وصدهم الناس عن دين الله تعالى, فلما فرض القتال العام بعد الأحزاب أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، في توجيه أصحابه للتصدي للطغاة المعتدين لأن إمهالهم يعطيهم فرصة للإعداد، والتجهيز، وإعادة مهاجمة المدينة مرة أخرى.
لقد صدق الله وعده للمسلمين في يوم الأحزاب، فأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، وأرسل عليهم ريحًا، وجنودًا من الملائكة، وأدخل الرعب في قلوبهم، حتى تمكن المسلمون منهم ففروا هاربين كل إلى موطنه الذي جاء منه.
وقد فهم الأحزاب، وكل من والاهم نتيجة معركة الخندق على غير وجهها الصحيح الأمر الذي أدى بهم إلى اتخاذ مواقف خاطئة، ذلك أنهم ربطوا هزيمة الأحزاب بأسباب بعيدة عن الحقيقة، حيث أرجعوها إلى تغير المناخ، وهبوب الريح، وشدة الأعاصير، وتصوروا أن ما حدث أمر طبيعي رأوا مثله في فيافي الجزيرة كثيرًا، وليس بلازم أن يتكرر مرة أخرى في أي لقاء لهم مع المسلمين, وفكروا كذلك في انقسام الأحزاب على أنفسهم، وشك كل فريق في غيره، عندما تصور كل منهم أن الفريق الآخر نقض عهده إما لانضمامه للمسلمين، أو لخوفه منهم.
وأدى بهم هذا الفهم إلى استمرار استهانتهم بالمسلمين، فتصوروهم ضعافًا لا يمكنهم الخروج من المدينة، ولذلك استمروا في إعداد العدة، وتجهيز السلاح لمهاجمة المسلمين، كل قبيلة على حدة، مبتعدين عن تكتل القبائل، وتجمع الأحزاب مرة أخرى، بعدما أصيبوا بهذا التجمع عند الخندق.
وحقيقة الواقع تؤكد خطأ المشركين في تحليل أسباب هزيمتهم؛ لأن ما حدث قدر إلهي نصر الله به عباده المؤمنين، وهو سبحانه قادر على إعادته وغيره لنصر المسلمين إن نصروا الله، وأخلصوا في الجهاد والنية, وما تفكك الأحزاب، وإحداث الوقيعة بينهم إلا قدر إلهي قضى به ليتم نصره، ويؤيد جنده.