للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣- تعود الصبر والتحمل:

من أهم خصائص المسلم الصبر الذي هو زاد الطريق في الدعوة، إنه طريق طويل شاق، حافل بالعقبات والأشواك، مفروش بالصد والرد، وبالإيذاء والابتلاء.

والصبر أنواع كثيرة:

الصبر على شهوات النفس ورغائبها وأطماعها ومطامحها، وضعفها ونقصها.

والصبر على شهوات الناس ونقصهم وضعفهم وجهلهم وسوء تصورهم، وانحراف طباعهم وأثرتهم وغرورهم.

والصبر على جرأة الباطل، ووقاحة الطغيان وتصعير الغرور والخيلاء.

والصبر على قلة الناصر وضعف المعين، وطول الطريق، ووساوس الشيطان في ساعة الكرب والضيق.

ولا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي هذه الأمة هو أول من يمثل هذا الصبر بمعانيه هذه كلها، وكل خطوة من خطواته تمثل هذا الصبر تمثيلا صادقًا.

لقد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبر كله في هذه المرحلة التي كون فيها الأمة فهناك صبر على جفاء الأعراب وطمعهم في الأموال، وحرصهم على المكاسب، فكان يعاملهم على قدر عقولهم فكان بهم رحيمًا، ولهم مربيًا ومصلحًا وقد عنفهم الله سبحانه على جفائهم في قوله: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ١.

ومع هذا حاول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرتفع بهم ويخرجهم من طباعهم هذه إلا أنهم ما استفادوا كثيرًا من هذه المواقف.

وهناك الصبر على إيذاء النفوس الملتوية حيث قال أحد المنافقين عند تقسيم غنائم يوم حنين: والله إن هذه القسمة ما عدل فيها، وما أريد فيها وجه الله، فلم يزد صلى الله عليه وسلم أن تغير وجهه وقال: "فمن يعدل إن لم يعدل رسول الله يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر".

وهناك الصبر في ميدان المعركة أمام استعلاء الباطل، فقد تراجع المسلمون في أحد وحنين، ولم يتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بموقفه هذا استطاع أن يجمع المسلمين مرة أخرى ويحقق لهم النصر.

وهناك صبر مع المسلمين الذين تراجعوا في المعركة فلم يعنف، ولم يعاقب أحدا ممن فر عنه حتى حينما طالبه بعض المسلمين بأن يقتل الفارين لم يستجب لهذا المطلب لأنه صلى الله عليه وسلم كان يربي أمة، وينشئ جماعة ولذلك اكتفى بما يبني، وبما يفيد, وليس هو العقوبة في هذا التوقيت من الزمان.


١ سورة التوبة: ٩٧-٩٨.

<<  <   >  >>