للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصاح أبو جندل بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني؟

فزاد المسلمين ذلك شرًا إلى ما بهم، وجعلوا يبكون لكلام أبي جندل.

فقال حويطب بن عبد العزى لمكرز بن حفص: ما رأيت قومًا قط أشد حبًا لمن دخل معهم من أصحاب محمد، أما إني أقول لك: لا تأخذ من محمد نصفًا أبدًا بعد هذا اليوم، حتى يدخلوها عنوة.

فقال مكرز: وأنا أرى ذلك.

وقال سهيل بن عمرو: هذا أول من قاضيتك عليه يا محمد، رده.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا لم نقض الكتاب بعد".

فقال سهيل: والله لا أكاتبك على شيء حتى ترده إليّ فرده عليه، ثم كلمه صلى الله عليه وسلم أن يتركه، فأبى سهيل وضرب وجه ابنه بغصن شوك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هبه لي أو أجره من العذاب إن لم نقض الكتاب بعد".

فقال سهيل: والله لا أفعل ولا أصالحك على شيء أبدًا.

فقال صلى الله عليه وسلم: "فأجزه لي".

قال: ما أنا بمجيزه لك.

فقال صلى الله عليه وسلم: "بلى فافعل".

قال سهيل: ما أنا بفاعل١.

فقال مكرز وحويطب: يا محمد نحن نجيزه لك وأجازاه ... وأما أبو جندب فقد أخذه مكرز وحويطب فأدخلاه فسطاطًا، وأجاراه فكف عنه أبوه.

ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته فقال: "يا أبا جندل، اصبر، واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك فرجًا ومخرجًا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا، وأعطيناهم على ذلك عهدًا، وإنا لا نغدر" ٢.


١ الفتح الرباني لترتيب مسند أحمد الشيباني ج٢١ ص١٠١.
٢ زاد المعاد ج٣ ص٢٩٤, الطبقات ج٢ ص٩٧.

<<  <   >  >>