وبخاصة أن الله أفاء على رسوله بالسعة، والرخاء، وقد تمتع بها سائر الناس, فراجعن الرسول في شأن النفقة، فحزن الرسول لذلك، وتألم كثيرًا واحتجب عن أصحابه، ولم يؤذن لهم بالدخول لإعلان أسفه وغضبه.
يروي البخاري في صحيحه بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: أقبل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ببابه جلوس، فاستأذن فلم يؤذن له.
ثم أذن بعد ذلك لأبي بكر، وعمر رضي الله عنه فدخلا، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، وحوله نساؤه، وهو صلى الله عليه وسلم ساكت.
فقال عمر رضي الله عنه لأكلمن النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد -امرأة عمر- سألتني النفقة آنفًا فوجأت عنقها! فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه.
وقال صلى الله عليه وسلم:"هن حولي يسألنني النفقة".
فقام أبو بكر رضي الله عنه إلى عائشة ليضربها.
وقام عمر إلى حفصة كذلك.
كلاهما يقولان: تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده؟
فنهاهما الرسول صلى الله عليه وسلم.
فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده.
وأنزل الله عز وجل آيتي الخيار المذكورتين، فبدأ صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها، فقال: $"إني أذكر لك أمرًا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك".
قالت: وما هو؟
قال: فتلا عليها الآيات.
قالت عائشة رضي الله عنها: أفيك أستأمر أبوي؟ بل أختار الله تعالى ورسوله، أسألك ألا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت فقال صلى الله عليه وسلم:"إن الله تعالى لم يبعثني معنفًا، ولكن بعثني معلمًا ميسرًا، لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها" ١.
١ صحيح البخاري. ك التفسير. باب {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} ج٧ ص٣٧٥، ٣٧٦.