صامتًا صابرًا، مع شدة ألم الإفك في نفسه، وذلك أكبر برهان على حسن معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجاته، وأخذه لهن بالرفق والأناة.
إن سلامة العرض، والمحافظة على الشرف والفضيلة من السمات التي يحافظ عليها العرب، ويدافعون عنها بكل غال لديهم، ومع ذلك الوضع الخطير يحافظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على هدوئه، ويترفق بعائشة رضي الله عنها، ويستمر ذلك الحال شهرًا كاملا، ولا يتعرض لها بنقد أو تأنيب أو مقاطعة أو بنظرة عاتبة.
تروي السيدة عائشة رضي الله عنها حادثة الإفك كما عايشتها فتقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعدما أنزل الحجاب، فكنت أحمل في هودجي، وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك، وقفل، فلما دنونا من المدينة قافلين، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حتى آذنوا بالرحيل فمشيت، حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي، فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه.
وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلوني، فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري، الذي كنت أركب عليه، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافًا، لم يهبلن الطعام ولم يغشهن اللحم، إنما كن يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه، وحملوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل فساروا، ووجدت عقدي، بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم، وليس بها داع، ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت به، وظننت أنهم سيفتقدوني فيرجعون إليّ، فبينا أنا جالسة في منزلي، غلبتني عيني، فنمت.
وكان صفوان بن المعطل السلمى ثم الذكواني من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فعرفني حين رآني، وكان رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما تكلمنا بكلمة،