فأما أسامة، فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه، وقال: أهلك ولا نعلم إلا خيرًا.
وأما عليّ فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة وقال لها:"أي بريرة! هل رأيت من شيء يريبك"؟.
قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق، ما رأيت عليها أمرًا قط، أغمصه غير أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن، فتأكله.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه، فاستعذر من عبد الله بن أبي، وهو على المنبر، فقال:"يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل، قد بلغني عنه، أذاه في أهلي؟ والله ما علمت على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلا، ما علمت عليه إلا خيرًا، وما يدخل على أهلي إلا معي".
فبكيت يومي ذلك كله، لا يرفأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، وأصبح أبواي عندي، وقد بكيت ليلتين ويومًا، لا يرفأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، حتى إني لأظن أن البكاء فالق كبدي، فبينما أبواي جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت عليّ امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي.
فبينا نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا فسلم ثم جلس، ولم يجلس عندي منذ ما قيل قبلها، وقد لبث شهرًا، لا يوحى إليه في شأني بشيء.
فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال:"أما بعد يا عائشة، إنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف، ثم تاب تاب الله عليه".
فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي، حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم عني فيما قال.
فقال أبي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما قال.