للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يحب مع هذا درء الحدود عن المسلمين ما استطاعوا، ومن أقواله صلى الله عليه وسلم: "ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام إن يخطئ في العفو، خير من أن يخطئ في العقوبة" ١.

وكان صلى الله عليه وسلم يلتزم بفعل كل ما يأمر به، ويترك كل ما ينهى عنه، ويتحرك في مقدمة الجيش حين الغزو، ويقول لأصحابه ما قاله الله تعالى: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} ٢.

عاش صلى الله عليه وسلم بين أصحابه يربيهم بالقرآن ويدعوهم إلى الله تعالى، وقد هداه الله إلى مفاتيح القلوب بالحسنى ففتحها، واستمر يغذي نفوسهم بعظمة الإسلام، ونور الوحي حتى خرج حظ الشيطان من نفوسهم، وصاروا رجالا يعملون لله، ويوجهون الدنيا لسعادة الآخرة.

يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي: لقد كان هذا الانقلاب الذي أحدثه صلى الله عليه وسلم في نفوس المسلمين أغرب ما في تاريخ البشر، وقد كان هذا الانقلاب غريبًا في كل شيء: كان غريبًا في سرعته، وكان غريبًا في سعته وشموله، وكان غريبًا في وضوحه وقربه إلى الفهم, فلم يكن غامضًا، ولم يكن مدهشًا، ولم يكن شاذًا ككثير من الحوادث الخارقة للعادة، ولم يكن لغزًا من الألغاز يصعب إدراكه، والوقوف على أسراره وإنما كان انقلابًا قائمًا على فهم واع، وقناعة كاملة، وحب صادق متجذر في الوجدان، والضمير.

إنه حب لرسولهم الذي جاءهم من الله بدين الله يقول الله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} ٣.

إنه صلى الله عليه وسلم لم يدعهم لملك شخصي، أو مجد قومي، أو دنيا زائلة وإنما هداهم الله إلى الصراط المستقيم وعرفهم بطرق الخير، ووضعهم أمام حجة الله خالصة نقية، فكان منهم ما استحقه صلى الله عليه وسلم٤.


١ نفحات الحبيب الشفيع ص١٥٦.
٢ سورة هود: ٨٨.
٣ سورة آل عمران: ١٦٤.
٤ نفحات الحبيب الشفيع ص١٥٩.

<<  <   >  >>