للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن الوحي هو كلام الله الذي نزل للناس ليكون دستور الحركة، وقانون الحياة، وهو يصور علامة فارقة بين حياة الجاهلية والحياة الإسلامية.

ولقد تلقى الصحابة الوحي بعقولهم، وأعمالهم، وسلوكهم، وأحوالهم، وصاروا به صناعة جديدة.

لم يتلفتوا معه إلى غيره مما صنعه البشر، ولو أتاهم من ممالك الأرض المشهورة -فارس والروم- لأنهم لا يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، ولم يخلطا الوحي بغيره لأنهم لو فعلوها لكانوا ظالمين لأنفسهم ولدينهم لأنهم حينئذ يساوون تعاليم البشر بتعاليم الله تعالى.

إنهم كانوا مع الله صادقين، وكانوا يعلمون أن أهل الباطل يعملون على إضلالهم، وإبعادهم عن الحق، في جرأة على الخير، واستهتار بالحقيقة، واستدلال قبيح يعتمد على البهتان والسوء.

إن منطق أعداء الله واضح في قيامه على الإفك، وبعده عن مسلمات العقل وبداهة الحكمة، إنها جرأة تقلب الأمور، وتجعل الحقائق أباطيل، بلا أدنى إحساس بالخجل والأسف مثل قوله تعالى عن قوم لوط إذا قال بعضهم لبعض: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} ١ فلقد جعلوا الطهارة والعفة تهمة يعاقب فاعلها بالطرد والنفي.

ومثل فرعون، وهامان، وقارون، إذ قالوا: {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} ٢.

ومثل قول فرعون إذا قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} ٣ ومثل قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ


١ سورة النمل: ٥٦.
٢ سورة طه: ٦٣.
٣سورة القصص: ٣٨.

<<  <   >  >>