للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن الجهاد يتقرر في الإسلام حماية للحرية، وصيانة للفكر، ليحول بين الناس وبين من يصدهم عن اختيارهم للدين القويم.

إن الأمر في قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} ١ يحدد الوسائل المشروعة وهي تعني أن تكون الدعوة في الإسلام بالحجة والبرهان لا بالسيف والمعارك، وأن التاريخ ليسجل دائمًا أن العقائد لا تتحقق بالطغيان، إذ هي اعتقاد بحل في القلب وتتبوأ في الضمير، وتسكن في الباطن الأمين.

ولم يدع الله أمر القلوب للكشف، والبروز، والظهور، حتى لا تكون هدفًا يدركه الطغاة، ويحركونه تبعًا لأهوائهم بضربات الأيدي، أو برشقات السيوف، أو بما شاكلها من أدوات الحديد والنار.

إن القلب غيب عن الناس لا تدرك مشاعره إلا بالإحساس الروحي، أو المعنوي, ولا سبيل للسلاح إلى هذه المعاني حتى تفتح بالضرب، وتغلف بالضراب.

وما دام شأن القلب هكذا، فإنه من الحال أن يوجه السيف إليه، أو يغير بقوة وإرهاب وذلك يؤكد سمو غايات الجهاد، وبعده عن أي عنت أو ظلم، أو عدوان.

لقد أمضى النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاثة عشر عامًا وهو يتلقى مع أصحابه كل يوم منذ أن جهر بالدعوة صنوفًا من العذاب تحملوها صابرين، وصمدوا لكل مكروه، فلم يفتنهم عن دينهم عذاب مهما طال، ولا إيذاء مهما عظم، بل اعتزوا بالله ورسوله، وكفوا حتى عن مقابلة الإساءه بمثلها.

وعلى كل حال فإن الجهاد في سبيل الله لم يمتهن كرامة، ولم يبدأ بعدوان، ولم يلجأ المجاهدون في سبيل الله إلى أموال الوادعين لنهبها، وإن كانت ظروف القتال قد ألقت إليهم أموال العدو، ووضعت في أكفهم الغنائم فأحلها الله لهم.

وهكذا كان الجهاد، وعلى هدي ذلك يجب أن يستمر٢.


١ سورة النحل: ١٢٥.
٢ الجهاد في الشريعة ص١٤ رسالة ماجستير مخطوطة بكلية الدراسات الإسلامية للبنات القاهرة تأليف الدكتورة نعمات محمد علي الهاشي.

<<  <   >  >>