للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعدوا عن دعايات أهل مكة، وانتظروا تغيير الحال، وتبدل الوضع، ليقرروا ما يرونه حينئذ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير معلم، وأعظم مرب، وهو يقود الجماعة المسلمة بعد الهجرة، إذ رأيناه صلى الله عليه وسلم يقود أكثر هذه السرايا، ويخرج لملاقاة القرشيين، ويعاهد العرب على السلم والإسلام، حتى لا يتصور أحد من أعدائه أنه سكن المدينة ورضي بالمكث فيها، معتمدًا على حركة أصحابه وحدهم.

وحتى في السرايا التي لم يخرج فيها كان صلى الله عليه وسلم يرسل عمه حمزة" أو أبناء عمومته ليكونوا في مقدمة الخارجين وبذلك كان صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة، والسراج المنير للناس أجمعين إن المسلمين الذي خرجوا في السرايا والغزوات كانوا يؤدون مناسكهم، ويحافظون على شعائر دينهم، ويقيمون الصلاة، ويلتزمون بالعدل والخلق الكريم، مع البعد التام عن كل ما نهى الله عنه، وبذلك قدموا دعوة عملية، ظهر أثرها بعد غزوة بدر الكبرى، حيث دخل الناس في الإسلام وهم عارفون بنسكه وتكاليفه، التي رأوها تطبيقًا عمليًا أمامهم.

ومن أثار هذه السرايا في الدعوة إلى الله تعالى فتح العقول لسماع الحق، وتخليصها من استبداد الطغاة، وتحقيق الحرية أمام الأعراب بعيدًا عن أي إكراه، لتكون عقيدتهم مرتبطة بالرشد الصادق، والبيان الأمين.

كما أدت السرايا إلى تفرق العرب عن أهل مكة بعدما علموا أكاذيبهم، وفقدوا الثقة فيهم، وبذلك فشل المكيون في تكوين كتلة واسعة معادية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تشمل قبائل العرب في البوادي، وفي القبائل التي تقيم على جوانب الطريق بين مكة والمدينة ومعهم اليهود والمنافقون، وبذلك كان الجهاد. وكانت السرايا تحركا في خدمة الدعوة لدين الله تعالى.

<<  <   >  >>