للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكان عمرو بن العاص يحدث فيقول: لقد رأيت كل هذا، ولقد رأيت في دارنا فلقة من الصخرة التي انفلقت من أبي قبيس، فلقد كان ذلك عبرة، ولكن الله لم يرد أن نسلم يومئذ فأخر إسلامنا إلى ما أراد.

ولم يدخل دارًا ولا بيتًا من دور بني هاشم ولا بني زهرة من تلك الصخرة شيء١. تمكن أبو سفيان من الإفلات بالقافلة؛ لأنه علم بخروج المسلمين للاستيلاء عليها فلما اقترب من بدر أخذ طريق الساحل، بعد أن علم بوصول المسلمين إليها، ذلك أنه كان يسير على الطريق الرئيسي حذرًا متيقظًا، وقد ضاعف حركاته الاستكشافية.

ولما اقترب من بدر تقدم عيره، حتى لقي "مجدي بن عمرو" وسأله عن جيش المدينة، فقال: ما رأيت أحدًا أنكره، إلا أني قد رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل، ثم استقيا في شن لهما، ثم انطلقا.

فبادر أبو سفيان إلى مناخهما، فأخذ من أبعار بعيرهما، ففته، فإذا فيه النوى، فقال: هذه والله علائف يثرب، فرجع إلى عيره سريعًا، وضرب وجهها محولا اتجاهها نحو الساحل غربًا، تاركًا الطريق الرئيسي الذي يمر ببدر على اليسار، وبهذا نجا أبو سفيان بالقافلة من الوقوع في قبضة جيش المدينة، وأرسل رسالته إلى جيش مكة التي تلقاها القرشيون عند وصولهم إلى الجحفة٢.

وخرج الجيش القرشي، بعدته، وعتاده، وقد بلغ عدده تسعمائة وخمسين رجلا، بقيادة عدد من صناديد مكة، وكان معهم مائتا فرس، وعدد كبير من الإبل لركوبهم، وحمل أمتعتهم ومئونة طعامهم، وليتاجروا فيها، وفي أحمالها، بعد تحقيق النصر الذي تصوروه مؤكدًا.

وقبل أن يتحرك جيش الشرك أخذ القرشيون لأنفسهم الأمان من "كنانة" بعدما قال لهم مالك بن جعشم المدلجي، وهو من أشراف كنانة: "أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه".


١ المغازي ج١ ص٢٩.
٢ المغازي ج١ ص٣٠.

<<  <   >  >>