للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال له: أرأيت إن قتلت فأين أنا؟

قال صلى الله عليه وسلم: "في الجنة".

فألقى تمرات كن في يده، ثم قاتل حتى قتل١.

وروى الإمام مسلم بسنده من حديث أنس "أن عمير بن الحمام أخرج تمرات فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة" ثم قاتل حتى قتل.

والقصتان مختلفتان، قد وقعتا لرجلين مختلفين، حيث وقع التصريح في حديث أنس أن ذلك كان يوم "بدر" كما صرح في حديث جابر أن ذلك كان في يوم "أحد".

وهذان شيخان كبيران من الصحب الكرام رخص لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في التخلف لسنهما، غير أن الرغبة في الشهادة قد دفعتهما إلى اللحاق بالمسلمين ليحرزاها، يروي ابن إسحاق بسنده قائلا: كان اليمان والد حذيفة وثابت بن وقش شيخين كبيرين، فتركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع النساء والصبيان، فتذاكرا بينهما، ورغبا في الشهادة، فأخذا سيفيهما، ولحقا بالمسلمين بعد الهزيمة، فلم يعرفوا بهما، فأما ثابت فقتله المشركون، وأما اليمان فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه٢.

ويوضح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنعم الله به عليهم فيقول صلى الله عليه وسلم: "لما أصيب إخوانكم "بأحد" جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا مأكلهم، ومشربهم، وحسن مقيلهم، قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله: أنا أبلغهم عنكم" ٣ فأنزل الله قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} ٤.


١ صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة أحد ج٦ ص٢٨٨.
٢ سيرة النبي ج٢ ص٨٧ وقد أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع دية اليمان رضي الله عنه لكن ولده حذيفة عفا وتصدق بديته على المسلمين.
٣ أسباب النزول ص٧٣.
٤ سورة آل عمران: ١٦٩.

<<  <   >  >>