يكوي الجراحة بالنار حتى ذهب الليل، جعل أبوه المنافق يقول له شامتًا: ما كان خروجك مع محمد إلى هذا الوجه برأي! عصاني محمد وأطاع الولدان، والله لكأني كنت أنظر إلى هذا!
فيقول له ابنه: الذي صنع الله لرسوله وللمسلمين خير.
وأظهرت اليهود القول السيئ فقالوا: ما محمد إلا طالب ملك، ما أصيب هكذا نبي قط، أصيب في بدنه، وأصيب في أصحابه! وأخذوا يخذلون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه! ويأمروهم بالتفرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجعل المنافقون يقولون لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان من قتل منكم عندنا ما قتل، حتى سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك في أماكن عدة، فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستأذنه في قتل من سمع ذلك من اليهود، والمنافقين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا عمر إن الله مظهر دينه ومعز نبيه، ولليهود ذمة فلا أقتلهم".
قال عمر رضي الله عنه: فهؤلاء المنافقون يا رسول الله صلى الله عليه وسلم!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله".
قال عمر رضي الله عنه: بلى يا رسول الله، وإنما يفعلون ذلك تعوذًا من السيف، فقد بان لنا أمرهم، وأبدى الله أضغانهم عند هذه النكبة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نهيت عن قتل من قال: لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله, يابن الخطاب! إن قريشًا لن ينالوا منا مثل هذا اليوم حتى نستلم الركن" ١.
وحتى نستمر حركة الدعوة، ويعيش المسلمون حياة العزة والكرامة، ويحافظوا على حقوق الإنسان التي شرعها الله تعالى، وحفظها للناس أجمعين، كان لا بد من مواجهة الواقع الذي عاشه أعداء الإسلام بعد "أحد" بما يليق به، ولذلك وقعت أحداث عدة، بدأت بعد "أحد" مباشرة، واستمرت إلى قبيل غزوة "الأحزاب" أوردها هنا إتمامًا لترتيب أحداث تاريخ الدعوة، وإبرازًا للجهد الذي أداه المسلمون صادقين مخلصين.