للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخذت الأحداث تتفاعل في كلا المعسكرين.

المشركون يفكرون في الرجوع إلى المدينة، ليدركوا ما فاتهم في القضاء على المسلمين والمسلمون يفكرون في إرهاب العدو، وطرده، وإبعاده عن المدينة حفاظًا على الذراري والنساء، وإعادة هيبتهم التي فقدوها في "أحد".

وهنا نجد دقة التحركات الإسلامية الرشيدة، والتي من أهمها:

١- أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من أسلم ليأتوه بخبر القوم، فلحق الثلاثة بالقوم عند "حمراء الأسد" فأبصرهم القرشيون وقتلوا اثنين منهم وهما سليط، ونعمان، ابنا سفيان بن خالد من بني سهم، وأما الثالث فقد تخلف لبطئه في السير ونجا فلما وجدهما المسلمون في "حمراء الأسد" قبروهما في قبر واحد، فعرفا بالقرينين١, وقد أدى ذلك إلى زيادة خوف العدو لأنه علم ملاحقة المسلمين لهم.

٢- لما عسكر المسلمون في "حمراء الأسد" أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجمع الحطب في النهار على أن يوقد كل رجل منهم نارًا مستقلة، فبلغت النيران خمسمائة، تبدو عالية في البعد٢، وتحدث الأعراب بهذا فأصيبوا بالذعر والخوف، وتوقعوا أن القوة الإسلامية أضعاف أضعاف ما هي عليه وأبلغوا رؤيتهم لأهل مكة.

٣- جاء معبد بن أبي معبد الخزاعي، وكانت خزاعة سلما لرسول الله والمسلمين، وقال: يا محمد لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك، ولوددنا أن الله أعلى كعبك، وأن المصيبة كانت بغيرك, فطلب منه صلى الله عليه وسلم أن يخذل الأعداء، فذهب إلى القرشيين وهم بالروحاء فقال له أبو سفيان: ما وراءك؟

قال: تركت محمدًا وأصحابه خلفي، يتحرقون عليكم بمثل النيران، وقد أجمع معه من تخلف عنه بالأمس، من الأوس والخزرج، وتعاهدوا ألا يرجعوا حتى يلحقوكم فيثأروا منكم وغضبوا لقومهم غضبًا شديدًا، ولمن أصبتم من أشرافهم.

قالوا: ويلك! ما تقول؟!

قال: والله ما أرى إلا أن نرتحل حتى نرى نواصي الخيل


١ المغازي ج١ ص٣٣٨.
٢ سيرة النبي ج٢ ص١٠٢.

<<  <   >  >>