٥- في شهر شوال من السنة الرابعة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة وكانت قبله عند زوجها أبي أولادها، أبي سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنه الذي شهد "أحدًا" وجرح بها فداوى جرحه شهرا حتى برئ، ثم خرج في سرية فغنم منها نعمًا، ومغنمًا جيدًا، ثم أقام بعد ذلك سبعة عشر يومًا، ثم انتقض عليه جرحه فمات لثلاث بقين من جمادى الأولى من هذه السنة، فلما حلت أم سلمة في شوال خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نفسها بنفسه الكريمة، وبعث إليها عمر بن الخطاب في ذلك مرارًا، فتذكر أنها امرأة غيرى أي شديدة الغيرة، وأنها مصبية أي لها صبيان يشغلونها عنه، ويحتاجون إلى مؤنة تحتاج معها أن تعمل لهم في قوتهم، فقال صلى الله عليه وسلم:"أما الصبية فإلى الله وإلى رسوله -أي نفقتهم- ليس إليك وأما الغيرة فأدعوا الله فيذهبها". فأذنت في ذلك وقالت لعمر آخر ما قالت له: قم فزوج النبي صلى الله عليه وسلم تعني قد رضيت وأذنت.
يروي الإمام أحمد بسنده عن أم سلمة أنها قالت: أتاني أبو سلمة يومًا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا سررت به، قال:"لا يصيب أحدًا من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته، ثم يقول: اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها إلا فعل به". فحفظت ذلك منه، فلما توفي أبو سلمة استرجعت، وقلت: اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها، ثم رجعت إلى نفسي فقلت: من أين لي خير من أبي سلمة؟
فلما انقضت عدتي استأذن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أدبغ إهابًا لي، فغسلت يدي من القرظ، وأذنت له فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف، فقعد عليها، فخطبني إلى نفسي فلما فرغ من مقالته، قلت: يا رسول الله ما بي أن لا تكون بك الرغبة، ولكني امرأة بي غيرة شديدة، فأخاف أن ترى مني شيئًا يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلت في السن وأنا ذات عيال فقال صلى الله عليه وسلم:"أما ما ذكرت من الغيرة فسيذهبها الله عنك، وأما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك، وأما ما ذكرت من العيال، فإنما عيالك عيالي". فقالت: فقد سلمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت أم سلمة: فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيرًا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم١.
١ الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد الشيباني ج٢٢ ص١٣٢، بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد ج٩ ص٣٩٤.