للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال: غير هذا القول كان أجمل بكم وأحسن، ثم نالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ساخرين، وقالوا: من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمد!

فشاتمهم سعد بن معاذ، وشاتموه، وكان رجلا فيه حدة.

فقال له سعد بن عبادة: دع عنك مشاتمتهم، الذي بيننا وبينهم أربى من المشاتمة، ثم أقبل السعدان ومن معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه ثم قالوا: عضل، والقارة. أي غدروا كغدر هؤلاء بأصحاب الرجيع.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين".

وتلك نبوءة من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الواقع يشير لغيرها؛ لأن الأحزاب جاءوا بأعداد كثيفة، وأحاطوا بالمسلمين من كل جانب، وجندوا جنودهم خارج المدينة، وداخلها حتى سيطر الخوف على المسلمين، وزلزلت نفوسهم، وزاغت أبصارهم وظنوا أن الهزيمة بهم لاحقة، فاتجهوا إلى الله بالدعاء، والرجاء ليعينهم بأمره، وينصرهم بقدرته، والله على كل شيء قدير.

وظهر النفاق من بعض المنافقين، فقال معتب بن بشر: كان محمد يعدنا أن نأخذ كنوز كسرى وقيصر وأن أموالهما تنفق في سبيل الله وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط. وقالوا ما حكاه الله عنهم في قوله تعالى: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إَِّلا غُرُورًا} ٢ وقال رجال ممن كانوا مع معتب {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} ٣.

وهمت بنو قريظة بالإغارة على المدينة ليلا، وأرسلوا إلى الأحزاب ليمدوهم بألف من قريش، وألف من غطفان، فبلغ ذلك المسلمين فعظم الخطب واشتد البلاء ثم كفهم الله تعالى عن ذلك لما بلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل سلمة بن أسلم بن حريش الأشهلي في مائتي رجل، وزيد بن حارثة في ثلاثمائة يحرسون المدينة، ويظهرون التكبير، ومعهم خيل المسلمين وكان المسلمون يبيتون بالخندق خائفين، فإذا أصبحوا أمنوا.

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خوات بن جبير لينظر غرة في بني قريظة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم


١ سيرة النبي ج٢ ص٢٢١، ٢٢٢، زاد المعاد ج٣ ص٢٧٢.
٢ سورة الأحزاب: ١٢.
٣ سورة الأحزاب: ١٣.

<<  <   >  >>