في كبد القوس، فأردت أن أرميه، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولا تذعرهم عليّ". ولو رميته لأصبته, فرجعت، وأنا أمشي في مثل الحمام، فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم, وفرغت, قررت فألبسني من شدة البرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائمًا حتى أصبحت قال: "قم يا نومان" ١.
فلم يفزعه صلى الله عليه وسلم وإنما كناه وسرى عنه، وغطاه من البرد حتى استيقظ.
ونظرًا لاشتغال المسلمين بالمعركة أذن لهم صلى الله عليه وسلم بالصلاة حيث يعسكرون، ولذلك تأسست سبعة مساجد على الخندق، نسبت إلى من كان يؤم الصحابة بها ويقودهم في موقعة مثل مسجد أبي بكر، ومسجد عمر، ومسجد عثمان، ومسجد علي، رضي الله عنهم, وبذلك استمرت حراسة الخندق ليلا ونهارًا، رغم البرودة الشديدة وأذن لهم صلى الله عليه وسلم بتعدد الجماعات مراعاة للحال وبخاصة أن صلاة الخوف لم تكن شرعت بعد.
وكان صلى الله عليه وسلم يمر على المسلمين في مواقعهم ليشرف عليهم ويوجههم إلى ما يجب أن يكون.
وقد تعلم المسلمون من فنون الحرب أهمية اكتشاف الأساليب المناسبة للتعامل مع العدو عددًا، وعدة, إذ لولا الخندق الذي حفره المسلمون لأصيبوا بهزيمة منكرة، ولا مانع من اكتساب خبرة الآخرين المفيدة للإسلام وللمسلمين.
واهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتضليل أعدائه وخداعهم وفك وحدتهم ونشر الشائعات بين صفوفهم، وذلك من أهم طرق هزيمة العدو وانكساره.
وكان صلى الله عليه وسلم يعمل على المحافظة على روح القتال، وحب الشهادة بين المسلمين.
وكان صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بالنصر، وينبئهم بأخبار الوحي، وكان يمر على أصحابه يطمئن عليهم، ويجلب الطعام والمئونة لهم، ويطمئنهم على نسائهم، وذراريهم.
وكان صلى الله عليه وسلم يناجي ربه، ويكثر من الدعاء على المشركين، ومن دعائه صلى الله عليه وسلم على الأحزاب في يوم الخندق ما رواه البخاري في صحيحه عن إسماعيل بن أبي خالد أنه قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه يقول: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب، فقال: "اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم
١ الفتح الرباني لترتيب مسند أحمد الشيباني باب ما جاء في استجابة الله دعاء نبيه ج٢١ ص٨٠.