للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا هي المدينة " يثرب""١.

وبعد ذلك نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيره في الهجرة إلى واحد من أماكن ثلاثة هي: المدينة، أو البحرين، أو قنسرين فعن جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله أوحى إليّ أي هؤلاء الثلاث نزلت فهي دار هجرتك، المدينة، أو البحرين، أو قنسرين" ٢.

ثم كان تحديد دار الهجرة بعد ذلك، يروي الترمذي في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أخبر أصحابه بالهجرة من مكة بأيام خرج إليهم مسرورًا، وهو يقول لهم: "قد أخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب، فمن أراد الخروج فليخرج إليها" ٣.

وإنما كان التدرج حول أمر الهجرة لحال المهاجرين حتى يسهل عليهم ترك الأهل والدار، وربما كان لأحدهم ارتباط معين يحتاج إلى وقت لينتهي منه ويؤدي ما عليه.

ولعل تأخير تحديد المكان يؤدي إلى صرف أذهان القرشيين عن أهمية الهجرة، وإدراك خطورتها عليهم وعلى تجارتهم لأنهم كانوا يخافون من دخول أهل المدينة في الإسلام لتأثيرهم على أهل مكة وبخاصة إذا انضم الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم، وقادهم بدينه الذي يدعو إليه.

ولم يتصور أهل مكة أن الهجرة هذه المرة ستكون شاملة للرسول والمسلمين جميعًا وظنوها واحدة تشبه سابقيها، ولذا لما بدأ المسلمون في الرحيل إلى المدينة لم يتعرض لهم أحد، مع أنهم كانوا يخرجون أرسالا٤ ظنًا من أهل مكة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لن يلحق بهم كما فعل مع مهاجري الحبشة.

وقد رحلت عائلات بأكملها فقبيلة بني غنم رحل منهم، أربعة عشر رجلا، وسبع نسوة، كما تحرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأهله، وعشيرته وحلفاؤه في عشرين رجلا وامرأة.

واستمر رحيل المسلمين من مكة حتى لم يبق منهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنوه، وأبو بكر وبنوه، وعلي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد حيث أبقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى، فلما علم أهل مكة بإعداد الرسول صلى الله عليه وسلم للهجرة خافوا من الأمر ووقع في أيديهم، فأخذوا في التخطيط لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يقع ما يحذرون منه.


١ صحيح البخاري كتاب مناقب الأنصار باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ج٧ ص٢٢٦.
٢ سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي. ك المناقب. باب فضل المدينة ج١٠ ص٢٩٢.
٣ سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي. ك المناقب. باب فضل المدينة ج١٠ ص٢٩٢.
٤ أرسالا: أي جماعة إثر جماعة.

<<  <   >  >>