للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من مكة إلى المدينة المنورة، والذين قاموا بالهجرة هم المهاجرون الذين قال الله فيهم: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} ١.

ويندرج معهم كل من ترك موطنه أيا كان موقعه، ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة يقول ابن الأثير: "والمراد بالمهاجر في الشريعة من فارق أهله، ووطنه، وجاء إلى بلد الإسلام، وقصد النبي صلى الله عليه وسلم رغبة فيه، وإيثارًا له"٢.

وكلام ابن الأثير لا يقيد الهجرة بمكان خاص وإنما يجعل الهجرة شاملة لأى مكان ما دامت تقصد الرسول صلى الله عليه وسلم في بلد الإسلام رغبة في صحبته، وإيثارًا للتعلم منه، وابتعادًا عن أعداء الله الذين يبغونهم الفتنة والضرر.

وعلى ذلك فمن ترك دار الشرك، ولحق بدار الإسلام فهو مهاجر، يقول ابن عباس رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر من المهاجرين، لأنهم هجروا دار الشرك إلى دار الإسلام، وكان من الأنصار مهاجرون تركوا المدينة يوم أن كانت دار شرك وقصدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة"٣.

والهجرة المقصودة من الدراسة هي الهجرة إلى المدينة المنورة.

وترجع أهمية الهجرة إلى المدينة المنورة إلى أنها تمثل الانطلاقة الكبرى لانتشار الإسلام بعد ما وقف أهل مكة من الإسلام والمسلمين موقف العنت والكبرياء، وأخذوا يصدون عن سبيل الله بكل وسيلة ممكنة، مهما كان فيها من الكذب والغلو والبعد عن الحق والسداد.

يصور القرآن الكريم موقف أهل مكة من الدعوة إلى الله تعالى ويبين بوضوح أنهم لم يتدبروا حقيقتها، ولم يتفهموا ما تدعوهم إليه، وإنما كانت اعتراضاتهم تتسم بالفوضوية، واللجوء إلى السفه والجهل، وتبتعد ابتعادًا كليًا عن المناقشة الهادفة الصحيحة.


١ سورة الحشر: ٨.
٢ جامع الأصول ج١ ص٢٤١.
٣ انظر ص٤٦٨ من الكتاب الثاني.

<<  <   >  >>