ولم يعد ممكنًا للمسلمين أن يمارسوا نشاطهم المحدود المقيد في مكة بعد ثلاث عشرة سنة كانت محسوبة من عمر دعوتهم، وتيقنوا من حاجة الإسلام والمسلمين إلى منطلق أمين, يمكنهم من الوصول للناس في العالم كله, ولهذا كانت استجابتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بالهجرة إلى المدينة المنورة.
كانت الهجرة للمدينة إذن أمرًا ضروريًا، بعد أن هيأ أهلها للمسلمين المكيين الفرصة الطيبة للخلاص من مراقبة الأعداء، والبعد عن اضطهادهم وعنتهم.
كان المطلوب آنذاك أن يهاجر من مكة جميع القادرين على تركها، لتيخذوا المدينة مركزًا جديدًا للدعوة وقد تحقق هذا، ولم يبق في مكة إلا من حبس أو فتن.
ولا شك أن هجرة المسلمين كانت معروفة لأعدائهم لأنهم لم يكونوا يعيشون وحدهم في مجتمعات منعزلة، وإنما كانوا يعاشرون جماعات تعارضهم وتحرص على تعطيل دعوتهم، ولهم معهم كل يوم معارضات ومشاحنات، ولذلك كان أهل مكة يدركون رحيل المسلمين من بينهم كلما غابوا عنهم.
وخرج المسلمون من مكة غير آسفين عليها, وقدموا على المجهول تاركين أهلهم وأموالهم مرغمين، وكانوا مع ذلك راضين بالحياة الجديدة الآمنة، وكان طريق الهجرة مفتوحًا أمامهم فهاجر بعضهم أمام الناس، وتسلل بعضهم الآخر في ظلمات الليل في غفلة وستر.
ولم يكن في الهجرة عند بدايتها شيء من الخطر، ولم يقف أهل مكة ضدها، ولعلها كانت تبدو أمام المشركين نوعًا من الهروب من ميدان العمل، أو نوعًا من السلبية أمام الأخطار، ولعلهم قاسوها على هجرة المسلمين قبل ذلك إلى الحبشة، وظنوها مجرد رحيل فريق من المسلمين إلى غير بلدهم ليعيشوا غرباء مدة يعودون بعدها إلى مكة.
ولم يعجز القرشيون أن يوجدوا لأنفسهم بعض التعليلات المناسبة لأفهامهم، بسبب عدم معارضتهم للمسلمين وهم يرحلون عن مكة، فلقد تصوروا أن هجرة المسلمين راحة لهم مما يرون ويسمعون، وأملوا في افصل بينهم وبين رسولهم، وبخاصة