إنهم هاجروا لله ورسوله، واستمروا على ذلك حتى ماتوا لله وروسوله.
وقد شجع المسلمون أهل مكة بصمتهم، وتواضعهم على قبول هذا التحليل الكاذب ليصرفوهم عن ملاحقتهم بالضرر.
وربما كان القرشيون يقنعون أنفسهم بقبول هذا الفهم ويصدقون خيالهم، ليفتخروا أمام الناس بانتصارهم على المسلمين بعد الخصومات الطويلة.
لقد تصور القرشيون صدق نظرتهم في المهاجرين لأن المهاجرين لم يتكلموا عن شيء، وكل ما اعتنوا به حين الهجرة هو خروجهم من مكة إلى حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة ليكون آخر من يهاجر منها، ولعله كان يخشى على أصحابه إذا هاجر قبلهم فنصحهم بالرحيل قبله ليضمن لهم نوعًا من الأمن والسلامة، وليكون خلف ظهورهم كالقائد الذي اضطرته ظروف الحرب للانسحاب فإنه يبقى مع آخر المتراجعين من جيشه أملا في سلامتهم وتحقيقًا للغايات المطلوبة منهم.
ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم كان يضلل أعداءه ببقائه بينهم ليوهمهم بأنه سيكون معهم بعد ذهاب أصحابه إلى المدينة, وبذلك تنتهي خطورته ويفقد أنصاره ويعيش صامتًا مداهنًا لأن القائد بمفرده لا يفعل شيئًا، وكل قوته في تنفيذ جنوده، واتباعهم لأوامره وتوجيهاته.
لقد تبخرت تصوراتهم كالسراب بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحق بأصحابه في المدينة، وبدأت دولة الإسلام تتعالى، وتنطلق في العالمين.