للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليدخلها، رغم أنف المشركين فيها١.

أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يعتمروا، وألا يتخلف أحد ممن شهد الحديبية فلم يتخلف من أهلها أحد، ممن هو حي، وخرج معهم عدد من غير أهل الحديبية فبلغ عدد الخارجين للعمرة ألفين.

وقال جماعة من المسلمين: والله يا رسول الله ما لنا زاد، وما من أحد يطعمنا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن ينفقوا في سبيل الله، وأن يتصدقوا، وألا يكفوا أيديهم فيهلكوا.

فقلوا: يا رسول الله بما نتصدق، وأحدنا لا يجد شيئًا؟

فقال: "بما كان ولو بشق تمرة، ولو بمشقص يحمل به أحدكم في سبيل الله" ٢.

فأنزل الله تعالى في ذلك: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} ٣ يعني أن ترك النفقة في سبيل الله يؤدي إلى الهلكة.

وساق صلى الله عليه وسلم ستين بدنة جعل عليها ناجية بن جندب الأسلمي رضي الله عنه، يطلب الرعي بها في الشجر، ومعه أربعة فتيان من أسلم، وكان أبو رهم كلثوم بن حصين الغفاري، ممن يسوقها ويركبها.

وقلد صلى الله عليه وسلم هديه بيده، وحمل السلاح وفيها البيض والدروع، وقاد مائة فرس أمر عليها محمد بن مسلمة، واصطحب العتاد والسلاح، واستخلف على المدينة أبا ذر الغفاري وأحرم من باب المسجد، وسار يلبي والمسلمون معه يلبون.

فلما انتهى محمد بن مسلمة بالخيل إلى مر الظهران، وجد بها نفرًا من قريش، فسألوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يصبح في هذا المنزل غدًا إن شاء الله.

فلما رأوا سلاحًا كثيرا مع بشير بن سعد، أسرعوا إلى مكة، وأخبروا قريشًا ففزعوا، وقالوا: والله ما أحدثنا حدثًا، ففيم يغزونا محمد؟

ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران قدم السلاح إلى بطن يأجج، وترك معه مائتين من


١ البداية والنهاية ج٤ ص٢٢٦، ٢٢٧.
٢ إمتاع الأسماع ج١ ص٣٣٦ والمشقص السهم العريض النصل.
٣ سورة البقرة: ١٩٥.

<<  <   >  >>