للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أجلك يا محمد، فاخرج عنا.

فقال صلى الله عليه وسلم: "وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم، وصنعت طعامًا"؟.

فقالا: لا حاجة لنا في طعامك، اخرج عنا، ننشدك الله والعهد الذي بيننا وبينك إلا خرجت من أرضنا! فهذه الثلاث قد مضت!

فغضب سعد بن عبادة وقال لسهيل: كذبت لا أم لك! ليست بأرضك ولا أرض أبيك والله لا يبرح منها إلا طائعًا راضيًا.

فتبسم صلى الله عليه وسلم ثم قال: "يا سعد! لا تؤذ قومًا زارونا في رحالنا". فأسكت الرجلين عن سعد, وروي أنهم بعثوا عليًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج عن بلدهم١.

وأمر صلى الله عليه وسلم أبا رافع بالرحيل، وقال: "لا يمسين بها أحد من المسلمين". وركب حتى نزل سرف، وخلف أبا رافع ليحمل إليه ميمونة حين يمسي، فخرج بها مساء، ولقي عنتًا من سفهاء المشركين فبنى صلى الله عليه وسلم على ميمونة بسرف.

ولم ينزل بمكة بيتًا، وإنما ضربت له قبة من أدم بالأبطح، وظل هناك حتى سار منها وأثناء إقامته بعث بمائتي رجل ممن طافوا بالبيت إلى بطن يأجج، فأقاموا عند السلاح حتى أتى الآخرون فقضوا نسكهم، وبعد أن أدى المسلمون عمرتهم عادوا إلى المدينة في ذي الحجة من نفس العام٢.

وفي صفر من العام الثامن، وبعد استقرار المسلمين في المدينة خرج عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم القرشي السهمي من مكة، بعد مرجعه من الحبشة، يريد المدينة، فهاجر فوجد في طريقه خالد بن الوليد القرشي المخزومي، وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة القرشي العبدري، وقد قصدوا قصده، فقدموا المدينة، ودخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعه خالد أولا، ثم بايعه عثمان، ثم عمرو فقال لهم صلى الله عليه وسلم: "إن الإسلام يجب ما كان قبله والهجرة تجب ما كان قبلها".

وهكذا أسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص بعد هذه الرحلة الطويلة من الجهاد والمعاناة، وصارا من خيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولله في خلقه شئون.


١ زاد المعاد ج٣ ص٣٧٢.
٢ إمتاع الأسماع ص٣٣٦ إلى ص٣٤١.

<<  <   >  >>